للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: هل يصح الحج من المجنون؟]

اختَلف أهل العلم في صحة حج المجنون على قولين:

القول الأول: لا يصح الحج من المجنون، ولو أَحْرَم عنه وليه.

وهو قول للحنفية، وقول للمالكية، ووَجْه للشافعية، وهو مذهب الحنابلة (١).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فعموم قول النبي : «رُفِعَ الْقَلَمُ … وعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ».

وَجْه الدلالة: أن المراد برفع القلم عدم تكليفهم، فدل ذلك على أن المجنون ليس من أهل التكليف، وعلى عدم صحة العبادة منه.

وأما المعقول، فاستدلوا بأن العقل مَناط التكليف، وبه تَحصل أهلية العبادة، والمجنون ليس أهلًا لذلك، فلا معنى لنُسُكه، أَشْبَهَ العجماوات. وإذا كانت الأعمال بالنيات، فالمجنون لا نية له ولا قَصْد، فكيف يصح حجه؟!

القول الآخَر: يصح الحج من المجنون بإحرام وليه عنه.

وهو قول أكثر الحنفية، والمالكية في المشهور، والشافعية، ورواية للحنابلة (٢).

واستدلوا لذلك بالقياس، فإذا كان يَجوز حج الصبي غير المُميِّز، مع أنه لا نية له، فكذا يَجوز حج المجنون.

واعتُرض عليه بأن الصبي لا يقاس على المجنون؛ لأن الصبي يؤمر بالصلاة والصوم للتمرين على الطاعات وتعويده العبادات، بخلاف المجنون. وإذا كان التكليف مرفوعًا عن المجنون والصبي، فقد استُثني الصبي بالنص، فقد رَفَعَتِ امرأة صبيًّا لرسول الله فقالت: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» وبقي المجنون على الأصل.

والراجح: أنه لا يصح حج المجنون؛ لأنه لا نية له، والأعمال بالنيات. والله أعلم.


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٢١)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٤٢٦)، و «المبدع» (٣/ ٢٦).
(٢) «المُدوَّنة» (١/ ٢٩٩)، و «المجموع» (٧/ ٢٠)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٨٨).

<<  <   >  >>