للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث: ما نوع الإطعام الذي أَمَر به النبي كعب بن عُجْرة؟

قد صح عن رسول الله أنه خَيَّر كعبًا بين الذبح أو الصيام أو الإطعام. والإشكال هو في اختلاف الروايات في نوع الإطعام الذي خَيَّر فيه النبي رجلًا واحدًا، هو كعب.

ففي رواية: «أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ».

وفي ثانية: «أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ، طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ».

وفي ثالثة: «نصف صاع من حنطة» (١).

وفي رابعة: «أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ» (٢) وفَرَقًا، أي: اثْنَا عَشَرَ مُدًّا.

ولا بد من الترجيح؛ لأن الروايات كلها في قضية واحدة، وفي رجل واحد.

والراجح: أن رواية التمر هي المحفوظة، وهي التي رواها مسلم من طريق أبي قِلابة عن ابن أبي ليلى، ولم يقع اختلاف فيها على ابن أبي ليلى في تحديد نوع الإطعام.


(١) ومدار هذا الحديث على شُعبة، عن عبد الرحمن الأصبهاني، عن عبد الله بن مغفل، واختُلف عنه:
فرواه محمد بن جعفر عند مسلم (١٢٠١) وبَهْز بن أسد عند أحمد (١٨١١١)، وعفان بن مسلم عند أحمد أيضًا (١٨١٠٨) ثلاثتهم عن شُعبة بلفظ: نِصْف صاعٍ من طعام.
وخالفهم في هذا اللفظ: سليمان بن حرب، والطيالسي، وعاصم بن علي، وحفص بن عمر الحَوْضي، كلهم عن شُعبة بلفظ: نصف صاع من حنطة. عند الطبراني (١٩/ ١٣٦).
والراجح: أن المحفوظ عن شُعبة رواية (نصف صاع) لثلاثة أمور:
الأول: محمد هو ابن جعفر، المعروف ب (غُنْدَر) وهو أثبت الناس في شُعبة. «فتح الباري» (١/ ٨٧).
الثاني: اعتَمد مسلم على محمد بن جعفر روايته في صحيحه، وأَعْرَض عما سواها.
الثالث: أنه تابعه على هذه اللفظة ثقتان ثبتان، وهما عفان بن مسلم، وبَهْز بن أسد.
وأما رواية: «نصف صاع من حنطة» فالأقرب أن الرواة لم يَضبطوا اللفظ، وقرينة ذلك أن في روايتهم: «أو أطعم كذا وكذا مسكينًا» ولم يضبطوا عدد المساكين، مع أن المحفوظ «ستة مساكين» فكذا لم يَضبط الرواة نوع الطعام.
قال ابن حجر: الْمَحْفُوظُ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: (نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ) وَالِاخْتِلَافُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ تَمْرًا أَوْ حِنْطَةً- لَعَلَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ. «فتح الباري» (٤/ ١٧).
والجَمْع بين الروايات أن الطعام اسم خاص للحنطة، والله أعلم.
(٢) منكر: أخرجه أبو داود (١٨٥٢) من طريق ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الحَكَم بن عُتبة، به.
وفي إسناده: (ابن إسحاق) وهو إن كان يُحَسَّن حديثه، ولكن لا يُحتَج بما انفرد به، وهذه الرواية من مناكيره؛ لأن روايته مُخالِفة للروايات الصحيحة. ويدل على نكارتها قوله: «فَحَلَقْتُ رَأْسِي، ثُمَّ نَسَكْتُ».
وقد لَخَّص ابن حجر الكلام فقال: وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَلَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَكَمِ، وَفِي إِسْنَادِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْمَغَازِي لَا فِي الْأَحْكَامِ إِذَا خَالَفَ، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ التَّمْرِ. «فتح الباري» (٤/ ١٧).

<<  <   >  >>