للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث التاسع: هل يُلحَق سائر أهل الأعذار كالمرضى ونحوهم بأهل السقاية والرعاة في عذرهم بالمبيت خارج مِنًى؟

اختَلَف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أن سائر أهل الأعذار كالمرضى يُلْحَقون بأهل السقاية والرعاة، في جواز المبيت خارج مِنًى، وتَسقط عنهم الفدية. وبه قال الشافعية، وهو قول للحنابلة (١).

واستدلوا بأن النبي رَخَّص لأصحاب سقاية الحجيج ورعاة الإبل؛ تنبيهًا على غيرهم، أو أنه نَصَّ عليه لمَعْنًى وُجِد في غيرهم، فوَجَب إلحاقه بهم.

واستدلوا بعموم الآيات والأحاديث الدالة على أن الإنسان لا يُكلَّف إلا ما يستطيع.

القول الآخَر: أن مَنْ تَرَك المبيت لعذر كالمرضى ونحوهم، فقد تَرَك الواجب، فيجب عليه دم. وبه قال المالكية، وهو المشهور عند الحنابلة (٢).

واستدلوا بأن الرخصة مقصورة على عذر السقاية والرعي، ولا تتعدى إلى غير هذه الأعذار؛ لأن النبي لم يأذن إلا لهذين الصنفين، مع احتمال وجود غيرهم من أهل الأعذار في ذلك الوقت، ولم يُنْقَل الإذن إلا لهؤلاء، فدل على أنه لا يُعْذَر سواهم.

ونوقش هذا بأن الرخصة تَثبت بالقياس، إذا وُجدت العلة الجامعة بينهما.

والراجح: أن سائر أهل الأعذار كالمرضى ونحوهم يُلْحَقون بأهل السقاية والرعاة في جواز المبيت خارج مِنًى، وأن الرخصة تتعدى لغير أهل السقاية والرعي إذا وُجدت العلة، فيقاس على أهل السقاية المريض ومَن يقوم على شئونه، والجنود ورجال الأمن والصحة والنظافة، الذين يقومون بمصالح الحجيج، ويكون تقدير ذلك لأهل العلم (٣).


(١) «الحاوي» (٤/ ١٩٩)، و «الإيضاح» (ص: ٣٦٢)، و «المغني» (٥/ ٣٧٩).
(٢) «المُنتقَى» (٣/ ٤٥)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٤٩)، و «الإنصاف» (٩/ ٢٤٩).
(٣) قال ابن قُدامة: ولأنهم يشتغلون بالرعاية واستقاء الماء، فرُخِّص لهم في ذلك. وكل ذي عذر من مرض أو خوف على نفسه أو ماله- كالرعاة في هذا؛ لأنهم في معناهم «الكافي في فقه الإمام أحمد» (١/ ٥٢٨). وقال النووي: وَمِنَ الْمَعْذُورِينَ مَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لَوِ اشْتَغَلَ بِالْمَبِيتِ، أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْمَبِيتُ، أَوْ يَشْتَغِلُ بِأَمْرٍ آخَرَ يَخَافُ فَوْتَهُ. «المجموع» (٨/ ٢٤٨).

<<  <   >  >>