للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث التاسع: استئذان الوالدين. وفيه ثلاثة مطالب]

المطلب الأول: إِذْن الوالدين في حج الفريضة:

يجتهد المرء في إرضاء والديه عند إرادة السفر، وليس للوالدين منع الولد المكلف من الحج الواجب، وليس للولد طاعتهما في تركه. وبه قال الحنفية، وهو قول للمالكية، والشافعية، والحنابلة (١).

واستدلوا بالسُّنة والقياس:

أما السُّنة، فروى الشيخان: عن علي ، عن النبي قال: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ» (٢).

وَجْه الدلالة: أن طاعة الوالدين إنما تَلزم في غير المعصية، وتَرْك ركن كالحج كبيرة.

وأما القياس، فقاسوا الحج على الصلاة المكتوبة، بجامع الفرضية في كل منهما، فكما أن الوالدين لا يحق لهما أن يَمنعا الولد من الصلاة المكتوبة، فكذلك حج الفريضة.

المطلب الثاني: إِذْن الوالدين في حج النافلة:

للأبوين منع ولدهما من الحج التطوع؛ لأن طاعة الوالدين واجبة، والحج نافلة، فيُقَدَّم الواجب. ولأنه يَلزم طاعة الوالدين في غير معصية، ولو كانا فاسقين لعموم الأوامر ببِرهما والإحسان إليهما.

فالحاصل: يجتهد المرء في إرضاء والديه عند إرادة السفر، فإن كان الحج فرضًا فلا يُشترط إذنهما، لكن يسعى لتطييب قلبيهما. وإن كان الحج نفلًا، فيجب أن يَستأذنهما.

وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض، كصوم رمضان والصلوات الخَمْس.

وقد أَجْمَع أهل العلم على اشتراط إِذْن الزوج في جواز إحرام المرأة في النفل. وللرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع بالاتفاق (٣).


(١) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٥٦). واشترطوا عدم حاجة أحد الوالدين إلى خدمة الولد. «القوانين الفقهية» (ص: ٩٤)، و «المجموع» (٨/ ٣٤٩)، و «المغني» (٣/ ٤٥٩).
(٢) البخاري (٧٢٥٧)، ومسلم (١٨٤٠).
(٣) وقد نَقَل الإجماع: ابن المنذر في «الإجماع» (ص: ٦٤)، وابن قُدامة في «المغني» (٥/ ٣٥)، وابن حجر في «فتح الباري» (٤/ ٧٦) وغيرهم، على أن للرجل منع زوجته من حج النافلة؛ وذلك لأن حق الزوج واجب، وحج النافلة تطوع، فيُقَدَّم حق الزوج الواجب على حج التطوع.

<<  <   >  >>