للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: آخِر وقت الوقوف بعرفة:

ينتهي الوقوف بعرفة بطلوع فجر يوم النحر، فمَن طلع عليه فجر يوم النحر وهو لم يقف بعرفة، فاته الحج بالإجماع (١).

واستُدل على ذلك بعموم قول النبي : «مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ».

المطلب الثالث: حُكْم الوقوف بعرفة إلى الغروب، وحُكْم مَنْ دَفَع قبل الغروب:

اختَلف أهل العلم في حكم الوقوف بعرفة إلى الغروب- على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب، فلا يَجوز للحاج الدفع قبل الغروب، فإِنْ دَفَع أجزأه الوقوف وعليه دم. وهذا مذهب الحنفية، وهو قول للمالكية، ورواية عن الشافعية، والمشهور عن الحنابلة (٢).

واستدلوا بأن النبي وقف بعرفة حتى غربت الشمس، كما في حديث جابر، وفيه: «فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ».

وجه الدلالة من وجهين:

الأول: أن مكث النبي فيها إلى الغروب، مع كون الدفع بالنهار أرفق بالناس- يدل على وجوبه، ولأنه لو كان جائزًا لاختاره النبي ؛ فإنه «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا».

الثاني: أن تأخير الرسول الدفع إلى ما بعد الغروب، ثم مبادرته به قبل أن يصلي المغرب، مع أن وقت المغرب قد دخل- يدل على أنه لا بد من البقاء إلى هذا الوقت (٣).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فإن وقوفه إلى الغروب إظهار لمخالفة المشركين.


(١) نَقَل الإجماع على ذلك: ابن المنذر في «الإجماع» (ص: ٥٧)، وابن عبد البر في «التمهيد» (١٥/ ٢٠١)، والنووي في «المجموع» (٨/ ٢٨٦)، وابن قُدامة في «المغني» (٥/ ٤٢٤).
(٢) «المبسوط» (٤/ ٥٦)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ١٢٧)، و «مواهب الجليل» (٤/ ١٣٢)، و «الأم» (٢/ ٢١٢)، و «المجموع» (٨/ ١١)، و «المغني» (٥/ ٢٧٥).
(٣) «الشرح الممتع» (٧/ ٣٨٨، ٣٨٩).

<<  <   >  >>