للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: ما قاله النووي: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ، وَمَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا وَقَفَ قَبْلَ الزَّوَالِ (١).

ونوقش بأنهم إنما وقفوا في وقت الفضيلة، ولم يستوعبوا جميع وقت الوقوف، وتَرْكه لم يَمنع كونه وقتًا للوقوف، كما بعد العشاء.

وأجيب عنه بأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن ما بعد العشاء وقت للوقوف بالنص، بخلاف ما قبل الزوال، فلم يقف بعرفة إلا بعد الزوال، فكان بيانًا لأول الوقت.

وذهب الحنابلة في المشهور عنهم إلى أن أول وقت الوقوف طلوع فجر يوم عرفة (٢).

واستدلوا بعموم قول النبي : «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَأَتَى عَرَفَاتَ، قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ».

وَجْه الدلالة: «وَأَتَى عَرَفَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» يدل على شمول الحُكم جميع الليل والنهار، والنهار يَبدأ بطلوع الفجر.

ونوقش بأن قوله : «وَأَتَى عَرَفَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا» مُطْلَق، وقد قُيِّد بفعله ، وهو محمول على ما بعد الزوال.

والراجح: أن أول وقت الوقوف بعرفة بعد الزوال يوم عرفة. لأن النبي وأصحابه لم يقفوا إلا بعد الزوال، فكان بيانًا لأول الوقت. وقال : «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ» وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتَ وُقُوفٍ لَوَقَفَ فِيهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَمِرَةَ. وَلِأَنَّ مَوَاقِيتَ الْعِبَادَاتِ إِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ فِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ. وَإِنَّمَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا رَمَى جِمَارَ أَيَّامِ مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَمَا صَلَّى الظُّهْرَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا.


(١) «المجموع» (٨/ ١٢٠). وقال ابن تيمية: وَأَوَّلُ وَقْتِ وُقُوفِ النَّاسِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ إِنَّمَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ الْمُوَرَّثَةُ عَنْهُ الْمَنْقُولَةُ نَقْلًا عَامًّا، فَلَوْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتَ وُقُوفٍ، لَوَقَفَ فِيهِ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَمِرَةَ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعَرَّفِ؛ إِذِ الْمُسَارَعَةُ إِلَى الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنَ التَّأْخِيرِ. وَلِأَنَّ مَوَاقِيتَ الْعِبَادَاتِ إِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ فِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ. وَإِنَّمَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا رَمَى جِمَارَ أَيَّامِ مِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ، وَكَمَا صَلَّى الظُّهْرَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا، وَالْعِبَادَةُ الْمَفْعُولَةُ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا تَصِحُّ، بِخِلَافِ الْمَفْعُولَةِ بَعْدَ وَقْتِهَا. «شرح العمدة» (٢/ ٥٧٩، ٥٨٠).
(٢) «المغني» (٥/ ٢٧٤)، و «الفروع» (٦/ ٤٩)، و «شرح العمدة» (٢/ ٥٧٩). وقال المَرْدَاوي: وَقَّتَ الْوُقُوفَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ. «الإنصاف» (٣/ ٢٩).

<<  <   >  >>