للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثالث: سُنن رمي الجمار

السُّنة الأولى: التقاط الجمار كما فَعَل النبي -: وفيه مطلبان:

المطلب الأول: لقط حصيات الرجم.

قال ابن قُدامة: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَخْذُ الحَصَيَاتِ مِنْ حَيْثُ كَانَ (١).

واختلفوا في موضع استحبابه على قولين:

القول الأول: يُستحب أخذ حصى الجمار من مزدلفة. وبه قال المالكية والشافعية (٢).

قال النووي: ولأن السُّنة إذا أَتَى مِنًى لا يُعَرِّج على غير الرمي، فاستُحب أن يأخذ الحصى حتى لا يشتغل عن الرمي. وإِنْ أَخَذ الحصى من غيرها جاز (٣).

القول الآخَر: يلتقطها من مزدلفة أو من طريقه وحيث شاء. وهو مذهب الحنفية، ونَصَّ عليه مالك والحنابلة (٤).

فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ: «الْقُطْ لِي حَصًى» فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ، وَيَقُولُ: «أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا» (٥).

وَجْه الدلالة: وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنَ الطَّرِيقِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ


(١) «المغني» (٥/ ٢٨٨)، قال ابن المنذر: لا أعلم خلافًا بينهم أنه من حيث أَخَذ أجزأه. «الإشراف» (٣/ ٣٢٢)، و «الإجماع» (ص: ٧١).
(٢) «الكافي» (١/ ٣٧٧)، و «المجموع» (٨/ ١٢٤ - ١٨٢).
(٣) «المجموع» (٨/ ١٢٤).
(٤) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٥٦)، و «المُدوَّنة الكبرى» (١/ ٤٣٧)، و «كشاف القناع» (٢/ ٤٩٩).
(٥) مُعَل: رواه النَّسَائي (٣٠٨٢) مختصرًا بدون ذكر النهي عن الغلو في الدين. وابن ماجه (٣٠٤٤) واللفظ له، وأحمد (١٨٥١) من طرق: عَنْ عَوْفٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِهِ.
وفي رواية ابن خُزيمة: قال عوف: لا أدري الفضل، أو عبد الله بن عباس. قال ابن حجر: ابن عباس المذكور في هذا الحديث هو الفضل لا عبد الله؛ لأن الفضل هو الذي أردفه النبي ، فلم يَزَل يلبي حتى رمى الجمرة. وأما عبد الله، فكان تَقدَّم مع الضعفاء من المزدلفة. وكل ذلك ثابت في الصحيح، وقد أخرجه البيهقي من هذا الوجه، فصَرَّح فيه بالفضل. «النُّكت الظِّراف» (٥٤٢٧).

<<  <   >  >>