للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرياء مشتق من الرؤية، وهو إظهار العبادة بقصد رؤية الناس لها؛ ليَحمد الناس صاحبها على ذلك. وأي مراءاة أشد من تصوير الحاج نفسه وهو مُحْرِم، وهو يطوف ويسعى، ويقف بعرفة؟! فهو يُصَوِّر نفسه ويَنقل مناسك الحج خطوة خطوة لأقاربه وأصحابه، وكأنه يقول لهم: (انظروا إليَّ وأنا أحج!) فأي مراءاة أشد من ذلك، فلو رأى رسول الله هؤلاء الذين يُصوِّرون أنفسهم في كل مَنْسَك، فماذا كان يقول لهم؟

[المبحث الثاني: النفقة الحلال]

روى مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: ٥١] وَقَالَ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٢]» ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! (١).


(١) مسلم (١٠١٥). وفي إسناده: فُضَيْل بن مرزوق، وقد وثقه ابن عُيينة والثوري وأحمد والفسوي وابن خراش والعجلي، واختَلف قول ابن مَعِين فيه، وقال البخاري: مقارب الحديث، وضَعَّفه النَّسَائي وأبو حاتم وابن حِبان، وقد استغرب هذا الحديثٌ الترمذي فقال: حسنٌ غَرِيبٌ، وَإِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ. وقال الحاكم: فُضَيْل ليس هو من شرط الصحيح، وقد عِيب على مسلم إخراجه لحديثه.
فالحاصل: أن فضيلًا لايتحمل التفرد، ولكن عمومات الشريعة تشهد لمعناه، وبالله تعالى التوفيق.
وفي الباب عن عُمَر بن الخطاب قال: قال رسول الله : «إِذَا حَجَّ الرَجُلٌ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ! قَالَ اللَّهُ ﷿: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْكَ». أخرجه ابن عَدي (٦٦٦٥) وفي إسناده: الدُّجَيْن بن ثابت، ضعيف جدًّا.
ورَوَى الطبراني في «الأوسط» (٥٢٢٨): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ! نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلَالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلَالٌ، وَحَجُّكُ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ. وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ! نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ» وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْيَمَامِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. «مَجْمَع الزوائد» (٢/ ٢٤٥).

<<  <   >  >>