للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: مَنْ تجاوز الميقات بغير إحرام، ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه:

أجمعوا على أن مَنْ تجاوز الميقات بغير إحرام، ثم رجع إلى الميقات فأَحْرَم منه، فحجه صحيح ولا دم عليه (١).

المطلب الثالث: مَنْ أَحْرَم بعد الميقات، ثم رجع إلى الميقات، فهل يَسقط عنه الدم؟

إِنْ تَجاوَز الميقات ثم عَقَد النية والإحرام بعد مجاوزته، فهل رجوعه للميقات بعد ذلك يُسْقِط عنه الفدية أم لا؟

اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أن مَنْ أَحْرَم بعد الميقات، ثم رجع إليه؛ فإنه لا يَسقط عنه الدم، وأن الفدية تَلزمه؛ لأنه رجع بعدما استقر الدم في ذمته. وبه قال زُفَر من الحنفية، والمالكية، وهو وجه عند الشافعية، والمشهور عند الحنابلة (٢).

واستدلوا بحديث ابن عباس قال: «إِنَّ النَّبِيَّ وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ» فهذا يدل على أنه يجب ابتداء الإحرام من الميقات، فإذا تجاوزه وأَحْرَم بعده فقد هَتَك حرمة الميقات، فوجب عليه الدم.

القول الثاني: أن مَنْ تجاوز الميقات وأَحْرَم بعده، ثم رجع إلى الميقات بعد الإحرام، سقط عنه الدم؛ لأنه رجع إلى الميقات وأَحْرَم منه وهو الواجب، قبل التلبس بأفعال الحج، فلا يَلزمه دم. وبه قال صاحبا أبي حنيفة، وهو الصحيح عند الشافعية، ورواية عن أحمد (٣).


(١) وقد نَقَل الإجماع على ذلك: الكاساني في «بدائع الصنائع» (٢/ ١٦٥)، والماوردي في «الحاوي» (٤/ ٧٢)، وابن قُدامة في «المغني» (٥/ ٦٩).
(٢) «فتح القدير» (٣/ ٣٩)، و «مواهب الجليل» (٤/ ٥٨)، و «الوسيط» (٢/ ٦١٠)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٨٧).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٦٥)، و «المجموع» (٧/ ١٨٢)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٢٩).
وذهب أبو حنيفة إلى أن مَنْ رجع إلى الميقات فأَحْرَم ولبى، سَقَط عنه الدم، وإلا فلا.
واستَدل الحنفية لذلك بأنه: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي جَاوَزْتُ الْمِيقَاتَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ! فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى الْمِيقَاتِ وَلَبِّ، وَإِلَّا فَلَا حَجَّ لَكَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «لَا يُجَاوِزُ الْمِيقَاتَ أَحَدٌ إِلَّا مُحْرِمًا» فأوجب عليه الرجوع للإحرام مع التلبية من الميقات.
ولكنه حديث منكر، ولم أقف على لفظة: (ارْجِعْ إِلَى الْمِيقَاتِ وَلَبِّ، وَإِلَّا فَلَا حَجَّ لَكَ) مُسنَدة، فقد ذَكَره السرخسي في «المبسوط» (٤/ ١٦٧)، والكاساني في بدائع الصنائع» (٢/ ١٦٥).
وقد ورد عن سعيد بن جُبَيْر مرسلًا، عن رسول الله . أخرجه ابن أبي شيبة (١٥٧٠٢) بلفظ: «لَا يُجَاوِزُ أَحَدٌ الْوَقْتَ إِلَّا مُحْرِمٌ». وفي إسناده خُصَيْف الجَزَري، وهو ضعيف.

<<  <   >  >>