للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث: الدلالة على الصيد: وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: إذا دَل المُحْرِمُ حلالًا على صيد، فقَتَله:

اختَلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: إذا دَلَّ المُحْرِمُ حلالًا على صيد، فقَتَله، يَلزم المُحْرِمَ جزاؤه. وهو مذهب الحنفية والحنابلة (١).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فقال النبي لأصحاب أبي قتادة : «أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟» قَالُوا: لَا. قَالَ: «فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» (٢).

وَجْه الدلالة: أَنَّهُ عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى عَدَمِ الْإِشَارَةِ، فَأَحْرَى أَنْ لَا يَحِلَّ إذَا دَلَّهُ بِاللَّفْظِ.

وأما المعقول، فَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إتْلَافِ الصَّيْدِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ نَصَبَ أُحْبُولَةً. وَلِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ (٣).

القول الآخَر: إذا دَلَّ المُحْرِمُ حلالًا على صيد، فإنه يكون مُسيئًا، ولا جزاء عليه، وأن الجزاء على القاتل دون الدالّ. وهو مذهب المالكية والشافعية (٤).

واستدلوا بظاهر قوله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة: ٩٥].

وَجْه الدلالة: أنَّهُ عَلَّقَ الْجَزَاءَ بِالْقَتْلِ، فَاقْتَضَى أَلَّا يَجِبَ الْجَزَاءُ بِعَدَمِ الْقَتْلِ (٥).

واستدلوا بظاهر قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥].

وَجْه الدلالة: أن وجوب الجزاء مُعَلَّق بالقتل، والدلالة ليست بقتل.


(١) «العناية» (٣/ ٦٨)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٣٦)، و «المغني» (٥/ ١٣٣)، و «شرح العمدة» (٢/ ١٨٢). وَقَالَ عَطَاءٌ: (أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ).
وقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَصَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.
(٢) جزء من حديث رواه البخاري (١٨٢٤)، ومسلم (١١٩٦).
(٣) «المغني» (٥/ ١٣٣).
(٤) «مواهب الجليل» (٤/ ٢٥٨)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٧٧)، و «الحاوي» (٤/ ٣٠٦).
(٥) «الحاوي» (٤/ ٣٠٧).

<<  <   >  >>