للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بحديث جابر بن عبد اللهِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» (١).

وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي وَلَمْ أُحْرِمْ، فَرَأَيْتُ حِمَارًا، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَاصْطَدْتُهُ، فَذَكَرْتُ شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللهِ ، وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ، وَأَنِّي إِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَكَ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ. وهذه رواية شاذة.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. فَقَالُوا: أَوَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي (٢).

فالحاصل: ذهب جمهور العلماء إلى حِل أكل الصيد للمُحْرِم إذا لم يَصِده بنفسه، ولو صاده الحلال للمُحْرِم؛ لعموم قول رسول الله : «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا، ولكن عليه عَمَل الصحابة. ولأن المُحْرِم ليس له أثر في هذا الصيد، لا دلالة ولا إعانة، ولا صِيد من أجله فلم يُمْنَع منه.


(١) ضعيف: أخرجه أبو داود (١٨٤٤)، والترمذي (٨٥٨)، والنَّسَائي (٢٨٤٨)، وأحمد (١٤٨٩٤).
وهذا الحديث فيه علتان:
الأولى: الانقطاع؛ فالمُطَّلِب بن حَنْطَب لم يَسمع من جابر. قاله أبو حاتم. «المراسيل» (ص: ٢٠٩). وقال الترمذي: وَالمُطَّلِبُ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ.
الثانية: أن عمرو بن عمرو مُتكلَّم فيه، وإن كان قد يُحَسَّن حديثه، فإن في حديثه اضطرابًا ومناكير، وقد اضطرب في هذا الحديث، فرواه مرة عن رجل من الأنصار عن جابر. ورواه ثانية عن المُطَّلِب عن أبي موسى عن النبي . أخرجهما الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١/ ١٧١) ورواه مرة ثالثة عن رجل من بني سلمة عن جابر، أخرجه الشافعي (١٠/ ٢٤٢).
وقد أُعَل النَّسَائي هذا الحديث، فقال: عَمْرُو بْنُ أَبي عَمْرٍو لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ. وقال ابن حزم: أَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ فَسَاقِطٌ؛ لِأنَّهُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وهذا الاختلاف والاضطراب عن عمرو يدل على قلة ضبطه؛ ولذا قال الجوزجاني في ترجمته: مضطرب الحديث.
(٢) إسناده صحيح: رواه مالك (١٢٩٠)، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله، به.

<<  <   >  >>