الوجه الثالث: اختَلفت الروايات في العضو الذي أَكَل منه النبي ﷺ: فقيل: العَضُد. وقيل: الرِّجل. فرواه غُنْدَر، عن أبي حازم، به، وفيه: فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. أخرجه البخاري (٢٥٧٠). وتابعه فُلَيْح بن سليمان. وخالفهما فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، به، وفيه: « … مَعَنَا رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ فَأَكَلَهَا» أخرجه البخاري (٢٨٥٤) ومسلم (١١٩٦). والأقرب للصواب رواية أكله عليه الصلاة السلام من العضد؛ لأمرين: الأول: أن راويها محمد بن جعفر، وهو ثقة ثبت، وقد انضم إليه فُلَيْح بن سليمان، فقويت روايتهما، وإن كان في رواية فُلَيْح بعض الضعف. الثاني: أن فُضَيْل بن سليمان اختُلف فيه، وإن كان أَخْرَج له البخاري في «صحيحه»، ورَوَى عنه ابن المَديني وكان من المتشددين، فقد ضَعَّفه ابن مَعين. وقال أبو زُرْعَة: لَيِّن. وقال أبو حاتم وغيره: ليس بالقوي. وقال الساجي: كان صدوقًا، وعنده مناكير، ففُضَيْل لا يَتحمل مخالفة غُنْدَر. (١) رواه مسلم (١١٩٧). ورَوَى أحمد (١٥٤٥٠) بسند صحيح: عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَرَّ بِالْعَرْجِ، فَإِذَا هُوَ بِحِمَارٍ عَقِيرٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ رَمْيَتِي فَشَأْنُكُمْ بِهَا. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى عَقَبَةَ أُثَايَةَ، فَإِذَا هُوَ بِظَبْيٍ فِيهِ سَهْمٌ، وَهُوَ حَاقِفٌ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «قِفْ هَاهُنَا حَتَّى يَمُرَّ الرِّفَاقُ، لَا يَرْمِيهِ أَحَدٌ بِشَيْءٍ». (٢) «حاشية الدسوقي» (٢/ ٧٨)، و «المجموع» (٧/ ٣٢٤)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٣٨). قال ابن عبد البر: وَقَالَ آخَرُونَ: مَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِلْمُحْرِمِ أَوْ مِنْ أَجْلِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ، وَمَا لَمْ يُصَدْ لَهُ وَلَا مِنْ أَجْلِهِ، فَلَا بَأْسَ لِلْمُحْرِمِ بِأَكْلِهِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عُثْمَانَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. «التمهيد» (٢١/ ١٥٣).