للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستَدل لذلك بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ الْحَجَّ فَقَالَ: أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ ، قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ … حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ (١). فظاهر الحديث أن ابن عمر لم يَطُف يوم النحر للإفاضة، واكتفى بطواف القدوم عنه.

واعتُرض على هذا الاستدلال بما قاله القرطبي: وقوله: «وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ» يعني الطواف بين الصفا والمروة. وأما الطواف بالبيت فلا يصح أن يقال فيه: إنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة؛ لأنه هو الركن الذي لا بد منه للمُفْرِد والقارِن … وقوله: «كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللهِ » يعني أنه اكتَفى بالطواف بين الصفا والمروة حين طاف للقدوم، ولم يُعِدِ السعي (٢).

وقال ابن القيم: وَمُرَادُهُ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَضَى بِهِ حَجَّهُ وَعُمْرَتَهُ- الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِلَا رَيْبٍ (٣).

وقد استفاضت الأحاديث عن النبي من رواية ابن عمر وجابر وغيرهما من الصحابة- أنه طاف بالبيت يوم النحر طواف الإفاضة.

المبحث الرابع: مَنْ الذين يَسقط عنهم طواف القدوم؟

يَسقط طواف القدوم عن أربعة أصناف:

الأول: الحائض والنفساء، إذا استمر دمهما إلى يوم عرفة.

دليل ذلك: ما رواه مسلم: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ … قَالَ: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ فَأَفَضْتُ (٤).

وَجْه الدلالة: أن عائشة لم تَطُف للقدوم؛ وذلك أنها حاضت قبل القدوم إلى


(١) البخاري (١٧٠٨)، ومسلم (١٢٣٠) واللفظ له.
(٢) «المُفْهِم» (٣/ ٣٥٧، ٣٥٨).
(٣) «زاد المعاد» (٢/ ١٣٢)، و «شرح العمدة» (١/ ٥٥٨).
(٤) مسلم (١٢١١).

<<  <   >  >>