للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣].

ولأن المعقول مِنْ ذبحه بالحَرَم التوسعةُ على مساكينه، وهذا لا يَحصل بإعطاء غيرهم، ولأنه نُسُك يَختص بالحَرَم، فكان جميعه مختصًّا به، كالطواف (١).

ونوقش بأن محل هذا إذا لم يُعْطَ فقراء الحَرَم، أما إذا أُعْطُوا حاجتهم من هذه اللحوم، فستَبقى الملايين من الهَدْي، فيَجوز إعطاء غيرهم؛ لأنه إذا كان يَجوز نقل الزكاة بالإجماع إذا استغنى أهل بلد عنها، فكذا يَجوز نقل الهَدْي إذا استغنى أهل الحَرَم عنه.

الراجح: أنه يَجوز نقل الهَدْي خارج الحَرَم إذا عُدم المساكين، أو كان زائدًا عن حاجة مساكين الحَرَم، حيث تَفُوق كمية اللحوم حاجة المساكين، فتتكدس كميات كبيرة من اللحوم، لا يَنتفع بها أحد، بل على العكس، فإنها تكون عبئًا على الجهات المسئولة عن الحج، وذلك بما تسببه من أمراض وتلويث للبيئة من جَرَّاء تَعفُّن هذه اللحوم المتكدسة وصعوبة التخلص منها سريعًا.

فلا أظن عالمًا بالشريعة وحِكمها وأسرارها يقول بمنع نقل ما زاد من اللحوم على حاجة مساكين الحرم إلى خارجه، ولا سيما إذا كان مآلها الترك إلى أن تَفسد ثم تُرمَى؛ فإن ذلك من إضاعة المال الذي نهى عنه الله ورسوله (٢).

وقد وردت أدلة تدل على أن جزاء الصيد وفدية الأذى مختصة بفقراء الحَرَم، فتُقيَّد بهم، وأما لحوم التمتع والقِران فلم يَرِد نص يُقيِّد توزيعها بفقراء الحَرَم، فيَجوز توزيعها

[المطلب الثاني: ما يذبحه الحاج ثلاثة أنواع]

النوع الأول: هَدْي التمتع والقِران، فهذا يَجوز النقل منه إلى خارج الحَرَم، وقد نَقَل الصحابة لحوم هداياهم إلى المدينة؛ فَعَنْ جَابِرِ يَقُولُ: كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثِ مِنًى، فَأَرْخَصَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ، فَقَالَ: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ جَابِرٌ: «حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ»؟ قَالَ: «نَعَمْ» (٣).


(١) «المغني» (٥/ ٤٥١).
(٢) «الزحام وأثره في النسك» لخالد المصلح (ص: ٨٣).
(٣) صحيح دون لفظة (نَعَمْ) فهي شاذة، والصواب (لا):
فرواه محمد بن حاتم، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جُريج قال: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَالَ جَابِرٌ: حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. أخرجه مسلم (١٩٧٢).
وخالف محمدَ بن حاتم مُسَدَّدٌ عند البخاري (١٧١٩) والإمام أحمد في «المسند» (١٤٤١٢) وعمرو بن علي عند النَّسَائي، كما في «الفتح» (٩/ ٤٥٥).
فهؤلاء ثلاثة من الثقات الحفاظ، خالفوا محمد بن حاتم فقالوا: (لا) مكان (نعم) ولا شك أن روايتهم أرجح، وهو الذي جَزَم به الحافظ ابن حجر

<<  <   >  >>