﵎ أنه لا يَرضى شيئًا من أفعال الحج إلا ما كان مصاحبًا للتقوى، فقال: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧].
فلن تقع هذه اللحوم ولا الدماء المهراقة بالنحر موضع القَبول، إلا إذا كان الباعث عليها هو تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى تعظيم أمره والتقرب إليه والإخلاص له.
قال السعدي: ليس المقصود منها ذبحها فقط، ولا يَنال اللهَ من لحومها ولا دمائها شيء؛ لكَوْنه الغني الحميد، وإنما يناله الإخلاص فيها، والاحتساب والنية الصالحة؛ ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧].
ففي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرًا ولا رياء ولا سمعة، ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم يَقترن بها الإخلاص وتقوى الله، كانت كالقشر الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا رُوح فيه.
• المَقصِد الرابع: ذِكر الله تعالى والدعاء من أعظم مقاصد الحج:
ولذا فالذِّكر والدعاء ملازمان للحج قبل وأثناء وبعد أداء نسكه؛ ولذا لا يخلو نسك من أنساك الحج من الذِّكر والدعاء.
فالإحرام الذي فيه نية الدخول في النسك ذِكر بالقلب.
والتلبية بعد الإحرام ذِكر باللسان، ويُستحب لزوم التلبية ولا يَنقطع الحاج عنها إلا عند رمي جمرة العقبة.
ثم الطواف يَبدأ بالتكبير وهو ذِكر. وكلما حاذى الحَجَر الأسود كَبَّر.
ثم يَتوجه الحاج إلى مَقام إبراهيم، ويصلي ركعتين خلف المَقام، يَذكر فيهما ربه.
ثم يتجه الحاج إلى الصفا، فيصعد عليها ويَذكر الله ويدعوه، فعن جابر قال: فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨] «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ». فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ.
وفي يوم عرفة يُكْثِر من الذِّكر والتلبية والتكبير والدعاء. وفي حديث جابر الطويل: ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ … وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا ﷺ بعد الزوال