للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٧].

وقوله: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ في سفركم إلى الحج، من الطعام وما يَحتاج إليه المسافر.

ورَوَى البخاري: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ. فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧] (١).

وكثرة زاد الرجل في سفره من مكارم الأخلاق، فربما واسى إخوانه من هذا الزاد. وإطعام الطعام من أعظم أفعال البر، كما قال تعالى: ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨].

وإذا كان الله أَمَرَنا بالتزود من الطعام والشراب للسفر في الدنيا، فقد أَرْشَدنا إلى التزود في سفر الآخرة بزاد التقوى؛ فزادُ التقوى خير زاد؛ لأنه الزاد الموصل إلى النعيم المقيم في الجنة يوم القيامة، وإلى رضوان الله.

فقد نبهت الآية إلى العناية بزاد الآخرة وهو التقوى؛ لأن مدار النجاة عليه، ولأنه السبيل لاكتساب الفضائل، ولأنه يَعصم صاحبه من الندم يوم القيامة، كما قيل:

إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى … وَلَاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا

نَدِمْتَ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ … فَتَرَصَّدْ لِلْأَمْرِ الذِي كَانَ أَرْصَدَا

وقد خَتَم الله الآية بالأمر بالتقوى، فقال: ﴿وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ١٩٧] وخَصَّ أُولي الألباب بالخطاب؛ لأنهم المنتفعون بخطاب الله على الحقيقة.

وقد تَكرر ذكر التقوى في آيات الحج؛ لأنها المقصودة من الحج (٢) وقد بَيَّن الله


(١) ومدار هذا الحديث على عمرو بن دينار، عن عكرمة، واختُلف عليه في الوصل والإرسال:
فرواه ورقاء، عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس ، به، أخرجه البخاري (١٥٢٣).
ورواه ابن عُيينة، عن عمرو، عن عكرمة مرسلًا. أخرجه سعيد بن منصور في «تفسيره» (٣٤٧)، وابن أبي حاتم (١٨٣٩) وقال: والمرسل أَصح.
(٢) وكذا عند قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] خَتَم الآية بقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: ١٩٦]. وكذا في رمي الجمرات، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ وخَتَم الآية بقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب معاصيه.

<<  <   >  >>