للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن مِنْ المرضى مَنْ لا يستطيع أن يقوم مِنْ على سريره، فمِثل هذا لا يجب عليه الحج؛ لأن الحج إنما فَرَضه الله على المستطيع إجماعًا.

المطلب الثاني: هل يجب الحج على مَنْ كان قادرًا بماله، عاجزًا ببدنه؟

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنه يجب على مَنْ أَعْجَزه كِبَر أو مرض لا يُرجَى برؤه- أن يقيم مَنْ يحج عنه إن كان له مال. وهو المشهور عن الحنفية، ومذهب الشافعية، والحنابلة (١).

واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧].

وَجْه الدلالة: فمَن استطاع الحج ببدنه وماله، فقد وجب الحج في حقه. فإن كان عاجزًا عن الحج ببدنه، مستطيعًا بماله، فإنه يَلزمه أن يقيم غيره مُقامه (٢).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» (٣).

وَجْه الدلالة: أن النبي أَقَرَّ المرأة على وصف الحج على أبيها بأنه فريضة، مع عجزه عنه ببدنه، ولو لم يجب عليه لم يُقِرها الرسول ؛ لأنه لا يمكن أن يُقِر على خطأ، فدل على أن العاجز ببدنه القادر بماله يجب عليه أن ينيب.

القول الآخَر: أن مَنْ كان قادرًا بماله عاجزًا ببدنه، فإنه لا يجب عليه الحج، ولا يجب عليه إرسال مَنْ ينوب عنه. وهو قول للحنفية، ومذهب المالكية (٤).

واستدلوا بأن مَنْ كان عاجزًا ببدنه فهو غير مستطيع بنفسه، فلا يجب عليه.

ونوقش بأنه إن كان عاجزًا عن الحج ببدنه، لزمه أن يقيم غيره بماله مُقامه.

والراجح: أن مَنْ كان قادرًا على الحج بماله عاجزًا ببدنه، فإنه يجب عليه الحج،


(١) «المبسوط» (٤/ ٢٧٥)، و «المجموع» (٧/ ٩٤)، و «المغني» (٥/ ٢٢).
(٢) «المُحَلَّى» (٧/ ٥٦).
(٣) رواه البخاري (١٥١٣)، ومسلم (١٣٣٤).
(٤) «بداية المجتهد» (٢/ ٨٥)، و «أحكام القرآن» (١/ ٣٧٨).

<<  <   >  >>