للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقت خروج الناس للحج، إلى رجوعه إلى بلده؛ لأن الاستطاعة لا تَثبت دونه (١).

المطلب الثاني: مَنْ قَدَّم للحج ولم يَحصل على تصريح، فهل يتعلق بذمته أم يَسقط؟

اختَلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أن تخلية الطريق شرط من شروط وجوب الحج، فمَن استَوفى شروط الحج وخاف الطريق، فإنه لا يجب عليه الحج، ولا يتعلق بذمته. وهذا مذهب المالكية والشافعية، وهو رواية عن أبي حنيفة وأحمد (٢).

واستدلوا بأن مَنْ لم يَحصل على تصريح بالحج، فلم يَخْلُ له الطريق، فهو غير مستطيع، والاستطاعة من شرائط الوجوب.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْبَيْتِ بِدُونِ خُلُوِّ الطَّرِيقِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ (٣).

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ، وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْبَيْتِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ فِعْلِهِ قَبْلَ الْفَتْحِ، مَعَ قُدْرَةِ أَكْثَرِهِمْ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ. فَلَوْ كَانَ الْوُجُوبُ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ، لَوَجَبَ أَنْ يُحَجَّ عَمَّنْ مَاتَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ مِنْهُمْ، وَلَبَيَّنَ النَّبِيُّ وُجُوبَ ذَلِكَ فِي تَرِكَاتِهِمْ (٤).

القول الآخَر: أن مَنْ استَوفى شروط الحج وخاف الطريق، فإن الحج يتعلق بذمته ويَسقط عنه الأداء. وهذا مذهب الحنفية في الأصح، والحنابلة (٥).

واستدلوا بأن مَنْ استطاع الحج فإنه يجب عليه، فإن كان الطريق مَخُوفًا فإن ذلك


(١) أَمْنُ الطَّرِيقِ يَشْمَل الأْمْنَ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلْحَجِّ؛ لأِنَّ الاِسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ. «الموسوعة الفقهية الكويتية» (١٧/ ٣٤).
(٢) «الذخيرة» (٣/ ١٧٦)، و «الحاوي» (٤/ ١٣)، و «المبسوط» (٤/ ١٦٣)، و «المغني» (٥/ ٧).
(٣) «تبيين الحقائق وحاشية الشلبي» (٢/ ٤).
(٤) «شرح العمدة» (١/ ١٦٨).
(٥) «المبسوط» (٤/ ١٦٣)، و «فتح القدير» (٢/ ٤١٨)، و «المغني» (٥/ ٧)، و «الفروع» (٥/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>