للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَرْقٍ بَيْنَ سَفَرِ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَى عَرَفَةَ، وَبَيْنَ سَفَرِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَاللَّهُ لَمْ يُرَخِّصْ فِي الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا لِمُسَافِرِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُسَافِرِينَ (١).

فنوقش بأن أهل مكة لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مِنًى رجعوا من مكة، وليس من عرفة بعد طواف الإفاضة يوم النحر، ويَقصرون الصلاة بمِنًى مع النبي ، ولا يُتصوَّر أن يُطلَق على مَنْ انتقل من مكة إلى مِنًى أنه مسافر، وهي مسافة لا تَزيد عن خمسة كيلو مترات. فمَن انتَقَل من موطنه إلى عمله في مثل هذه المسافة، فيَجوز له القَصْر. وعلى هذا القول، فيَجوز لأكثر الناس أن يَقصروا الصلاة ويُفطروا في رمضان! فهذا القول ظاهر البطلان ومُخالِف لقول جماهير العلماء (٢).

المطلب الرابع: هل يَجمع ويَقصر مَنْ صلى وحده؟

مَنْ صلى الظُّهر والعصر منفردًا يَجوز له أن يَجمع ويَقصر. وهو قول الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة. وبه قال أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (٣).

واستدلوا بأن الجَمْع بين الصلاتين يوم عرفة إنما كان للحاجة إلى امتداد الوقوف ليتفرغوا للدعاء؛ لأنه موقف يُقصَد إليه مِنْ أطراف الأرض، فشُرِع الجَمْع لئلا يُشتغل عن الدعاء، والمنفرد وغيره في هذه الحاجة سواء، فيستويان في جواز الجَمْع.

المطلب الخامس: هل يُجْهَر بالقراءة أم يُسَر؟

يُسَن الإسرار بالقراءة في صلاتي الظُّهر والعصر بعرفات، حتى لو وافق يوم الجمعة.

فعن جابر بن عبد الله في حديثه الطويل، في صفة حجة النبي : «ثم أَذَّن، ثم أقام فصلى الظُّهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا».

قال النووي: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ الْجَهْرُ، فَظَاهِرُ الْحَالِ الْإِسْرَارُ (٤).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ٤٦، ٤٧).
(٢) فبعض إخواننا يَقصر الصلاة إذا انتقل من موطنه إلى عمله في مثل هذه المسافة، وهذا قول باطل؛ لأن على هذا القول فأغلب الناس على سفر، ويَجُوز لهم القصر والفطر. وإن شاء الله سيأتي بيان هذا بالتفصيل في كتاب لي في «أحكام الصلاة».
(٣) «الاستذكار» (٤/ ٣٢٦)، و «المغني» (٥/ ٢٦٣)، و «المجموع» (٨/ ٩٢).
(٤) «المجموع» (٨/ ٨٧).

<<  <   >  >>