للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ» (١).

المبحث الثالث: حُكْم جاحد الحج:

مَنْ أَنْكَر وجَحَد وجوب الحج فهو كافر بالنص والإجماع، إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلم وأهله؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧].

قال ابن تيمية: فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَرَ حَجَّ الْبَيْتِ وَاجِبًا عَلَيْهِ، مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ (٢).

[المبحث الرابع: مرات الحج الواجبة]

يجب الحج مرة واحدة في العمر على المستطيع بالسُّنة والإجماع:

أما السُّنة فما رواه مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا» فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» (٣).

وأَجْمَع العلماء على وجوب الحج على المستطيع، مَرَّةً واحدة في العُمْر (٤).

وقد وقع خلاف في المسألة، وحُكِم عليه بالشذوذ، وبأنه مُخالِف للإجماع.

قال الحَطَّاب: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ شَذَّ: إِنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: وَإِنَّ عَبْدًا أَصْحَحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَأَوْسَعْتُ عَلَيْهِ فِي المَعِيشَةِ، تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ، إِلَّا مَحْرُومٌ» (٥).


(١) رواه البخاري (٨)، ومسلم (١٦).
(٢) «شرح العمدة» (١/ ٧٦)، و «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (٢/ ١٢٦).
(٣) رواه مسلم (١٣٣٧).
(٤) وقد نَقَل الإجماع على ذلك: ابن المنذر في «الإجماع» (ص: ٥١)، والحَطَّاب في «مواهب الجليل» (٢/ ٤٦٥)، والنووي في «شرح مسلم» (٨/ ٧٢)، وابن قُدامة في «المغني» (٥/ ٦) وغيرهم كثير.
(٥) ضعيف: رواه جماعة عن العلاء بن المُسَيَّب، واختُلِف عنه:
رواه خَلَف بن خليفة، عن العلاء، عن أَبيه، عن أَبي سعيد، مرفوعًا، به. عند أبي يعلى (١٠٣١).
ورواه الثوري عنه، عن أَبيه- أو: عن رَجُل- عن أبي سعيد، به موقوفًا، عند عبد الرزاق (٨٨٢٦).
ورواه الفاكهي (٩٥١) من طريق عبد الرزاق، ولكن حصل خلاف من وجهين: الأول: أنه أورده مرفوعًا. والثاني جَزَم برواية العلاء عن أبيه. وفي إسناده (محمد بن أبي عُمَر العَدَني) قال أبو حاتم: كان رجلًا صالحًا، وكان به غفلة. فأخشى أن يكون وهم في رفع هذه الرواية، وقد استَغرب ابن عَدي رواية الثوري لهذا الحديث عن العلاء، وذَكَر أن هذا حديث يُعْرَف بخَلَف. كما في «الكامل» (٣/ ٥١٣).
ورواه ابن فُضَيْل واختُلف عنه: فرواه مَرَّة عن العلاء، عن يونس بن خَبَّاب، عن أَبي سعيد. ورواه مَرَّة أخرى، فذَكَر بين يونس وأبي سعيد مجاهدًا. ذَكَرهما الدارقطني في «علله» (٥/ ٤٦٥) مع ذكر طرق أخرى، وعَقَّب بقوله: ولا يصح منها شيء.
وقال أبو حاتم بعد ذكر طرقه: هو مضطرب. وقال أبو زُرْعَة: والصحيح: عن العلاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، مرفوعًا. «العلل» (١/ ٢٩١).
والحاصل: أن أرجح الطرق: (المسيب عن أبي سعيد) والمسيب لم يَسمع منه، قال ابن مَعين: لم يَسمع المسيب بن رافع من أحد من أصحاب النبي ، إلا البراء. رواية الدُّوري (٤/ ١٩).
وفي الباب عن أبي هريرة عند البيهقي (١٠٤٩١) وغيره من طرق، عن صَدقَة بن يزيد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أَبيه، عن أَبي هريرة، به. وهذا السند مُنْكَر، أخطأ فيه صدقة.
قال ابن عَدي: فلعل صدقة هذا سَمِع بذكر العلاء، فظَن أنه العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة. وكان هذا الطريق أسهل عليه. وإنما هو العلاء بن المُسَيَّب، عن أبيه، عن أبي سعيد.
قال البخاري: عن العلاء بن عبد الرحمن منكر، ولا أعلم يرويه عن العلاء غير صدقة، وإنما يَروي هذا خَلَف بن خليفة، وهو مشهور، ورُوي عن الثوري أَيضًا، عن العلاء بن المُسَيَّب، عن أبيه، عن أبي سعيد الخُدري. «الكامل» (٥/ ١٢٣).
وقال أبو حاتم وأبو زُرْعَة: هذا عندنا مُنْكَر من حديث العلاء بن عبد الرحمن، وهو من حديث العلاء بن المسيب أشبه. «علل الحديث» (١/ ٢٩١).
وأخرجه الخطيب في «المُوضح» (١/ ١٥٢) من طريق عَبَّاد بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وفي إسناده: قيس بن الربيع، صدوق، تَغَيَّر لَمَّا كَبِر، وأَدْخَل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحَدَّث به. وعَبَّاد- واسمه عبد الله- لَيِّن.
قال ابن العَرَبِيّ: رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ حَرَامٌ، فَكَيْفَ إِثْبَاتُ حُكْمٍ بِهِ؟! يَعْنِي أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَهَذَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ لِشُذُوذِهِ. «عارضة الأحوذي» (٤/ ٢٨، ٢٩).

<<  <   >  >>