للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما السُّنة، فعموم قول النبي : «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ» فمَن اشتدت حاجته إلى الزواج إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعًا، فإنه يَبدأ بالزواج حتى يُعِفّ نفسه.

وأما المعقول، فإن في تركه النكاح تَرْك أمرين: تَرْك الفرض وهو النكاح الواجب، والوقوع في المُحَرَّم وهو الزنا (١).

الحال الثانية: أن يكون في حال اعتدال الشهوة، فإنه يُقَدِّم الحج على الزواج؛ لأن الزواج في حقه سُنة، والحج واجب على الفور، فيُقَدَّم على المسنون؛ لأنه لا تَعارُض بين واجب ومسنون. وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة (٢).

فالحاصل: أن مَنْ اشتدت حاجته إلى الزواج، وليس عنده من المال إلا ما يكفي لأحدهما، وجبت عليه المبادرة بالزواج قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يُسَمَّى مُستطيعًا.

أما إذا كان معتدل الشهوة ولا يَشُق عليه الصبر، فإنه يُقَدِّم الحج على الزواج؛ لأن الحج واجب على الفور، فيُقَدَّم على المسنون؛ لأن الزواج في حقه سُنة.

أما إذا كان حج تطوع، فإنه يُقَدِّم النكاح؛ لأن الزواج أفضل من نوافل العبادات (٣).

المسألة الثالثة: مَنْ كان عنده من المال ما يكفي لحجه، فهل يُعْذَر بترك الحج لِعَجْزه عن شراء الهدايا؟

لَيْسَ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُحْدَثَةُ بِرَسْمِ الْهَدِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَالْأَصْحَابِ، فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْحَجِّ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى إِثْمِ مَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ بِسَبَبِ هَذِهِ التَّقَالِيدِ الْفَاسِدَةِ (٤).

[الشرط الثالث: اشتراط أمن الطريق لتحقيق الاستطاعة]

وفيه ثلاثة مطالب:

[المطلب الأول: المراد بأمن الطريق، وهو متمثل الآن في (تصريح للحج)]

المقصود بأمن الطريق: أن يكون الغالب في طريقه السلامة، آمنًا على نفسه وماله، من


(١) «مَجْمَع الأنهر» (١/ ٢٦٠).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٦٢)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٤٦٥)، و «المغني» (٣/ ٢١٧).
(٣) قال ابن تيمية: إن احتاج الإنسان إلى النكاح وخَشِي العنت بتركه، قَدَّمه على الحج الواجب. وإن لم يَخَفْ قَدَّم الحج. «الاختيارات الفقهية» (ص: ٥٢٨).
(٤) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٦١)، و «الموسوعة الفقهية الكويتية» (١٧/ ٣٣).

<<  <   >  >>