للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الآخَر: لا يجب على المُحْصَر بعدوٍّ دم. وهو مذهب المالكية (١).

واستدلوا بأن المُحْصَر تَحَلَّل من عبادة لم يَدخل عليه منها تفريط، فكيف يجب عليه هَدْي؟! وأن المُحْصَر قد شُرِع له التحلل والخروج من الحج تخفيفًا عنه، فناسب ذلك عدم إيجاب الدم عليه.

ونوقش بما قاله ابن قُدامة: وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَلُّلٌ أُبِيحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، أَشْبَهَ مَنْ أَتَمَّ حَجَّهُ.

وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَصْرِ الْحُدَيْبِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ إتْمَامِ نُسُكِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، كَاَلَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ أَتَمَّ حَجَّهُ (٢).

الفرع الثاني: مكان إجزاء ذبح هَدْي الإحصار:

اختَلف أهل العلم في مكان إجزاء ذبح دم الإحصار على قولين:

القول الأول: يجزئ ذبح الهَدْي عن الإحصار بالموضع الذي حُصِرَ فيه، سواء كان في الحِل أو في الحَرَم. وهو مذهب المالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة (٣).

واستدلوا بالسُّنة والمعقول:

أما السُّنة، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ … » (٤).

واستدلوا بأن النبي نَحَر هديه بالحُديبية حيث أُحْصِرَ، وهي خارج الحرم.

وأما المعقول، فإِنَّ المُحْصَر مُنع من الوصول إلى البيت، فيتعذر الذبح عنده، ولا يحل


(١) «المُدوَّنة» (١/ ٣٩٧). وقال الخَرَشِيّ: الْمُحْصَرُ لَا هَدْيَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا. «شرح خليل» (٨/ ٣٠٣).
(٢) «المغني» (٥/ ١٩٥).
(٣) «مواهب الجليل» (٤/ ٢٩٤)، و «المجموع» (٨/ ٢٩٨، ٢٩٩)، و «المغني» (٥/ ١٩٧).
قال البغوي: والهدايا كلها يَختص ذبحها بالحرم، إلا هَدْي المُحْصَر؛ فإن محل ذبحه حيث يُحْصَر، عند أكثر أهل العلم. «شرح السُّنة» (٧/ ٢٨٥).
(٤) رواه البخاري (٢٧٠١). وروى البخاري أيضًا (١٨٠٩): عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : «قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا».

<<  <   >  >>