للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا بعد النحر، فيَشق عليه أن يَمكث بملابس الإحرام (١).

القول الآخَر: لا يجزئ ذبح الهَدْي عن الإحصار إلا بالحَرَم. وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد (٢).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] فهذان الدليلان وغيرهما يدلان على أنه لا يجزئ ذبح الهدي إلا بالحرم.

ونوقش هذان الاستدلالان من وجهين:

الأول: أن هذا في حق غير المُحْصَر؛ لأن المُحْصَر يُمْنَع من الوصول إلى البيت، فيتعذر الذبح عنده. ولأن النبي نَحَر هديه بالحُديبية حيث أُحْصِرَ، وهي خارج الحرم.

الثاني: أن النبي شَرَع لمن أراد الحج واشتكى أن يقول: «اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» فتَعَيَّن أن يكون المَحِل حيث حُبِسَ.

الفرع الثالث: متى يَذبح المُحْصَر هَدْي الإحصار:

اختَلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه يَجوز ذبح هَدْي الإحصار قبل يوم النحر. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعية، والحنابلة (٣).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة والقياس:

أما الكتاب، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وَجْه الدلالة: أن الله لم يَخص في الآية وقتًا دون وقت لنَحْر الهَدْي.

وأما السُّنة، فاستدلوا بقول النبي لأصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا» (٤).


(١) قال ابن قُدامة: لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَعَذُّرِ الْحِلِّ؛ لِتَعَذُّرِ وُصُولِ الْهَدْيِ إِلَى مَحِلِّهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ نَحَرُوا هَدَايَاهُمْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ مِنَ الْحِلِّ. «المغني» (٥/ ١٩٧).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٧٨)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣٧٣).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٨٠)، و «المجموع» (٨/ ٣٠٤)، و «المغني» (٣/ ٣٢٨).
(٤) رواه البخاري (٢٧٣١).

<<  <   >  >>