للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» (١).

المطلب الثاني: حُكْم قَطْع الخف أسفل من الكعبين لمن لم يجد النعلين:

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

الأول: أن مَنْ لم يجد نعلين فليلبس خفين، ويقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، ورواية عن الحنابلة (٢).

واستدلوا بما ورد عن ابن عمر، أن النبي قال: « … فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ» (٣).

القول الآخَر: أن مَنْ لم يجد النعلين فليَلبس الخفين من غير قطعهما. وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة (٤).

واستدلوا بما ورد عن ابن عباس قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ» (٥).


(١) رواه مسلم (١١٧٩).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٨٤)، و «التاج والإكليل» (٣/ ١٤٢)، و «الحاوي» (٤/ ٩٧)، و «المغني» (٥/ ١٢١).
(٣) رواه البخاري (٣٦٦)، ومسلم (١١٧٧).
قد قيل: إن لفظة «وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ» مُدرَجة من كلام نافع. قال ابن قُدامة: إنَّ قَوْلَهُ: (وَلْيَقْطَعْهُمَا) مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ. كَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي «أَمَالِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَشْرَانَ» بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، أَنَّ نَافِعًا قَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ: وَلْيَقْطَعِ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ. «المغني» (٥/ ١٢١).
وقد رَجَّح ابن حجر أن هذه الرواية شاذة، فقال: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي رَفْعِ الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ، إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ. «فتح الباري» (٣/ ٤٠٣).
(٤) «المغني» (٥/ ١٢٠)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٦٤).
(٥) مدار الحديث على عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، به.
فرواه شُعْبة عن عمرو، به، فزاد فيه: (يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ). رواه البخاري (١٨٤١)، ومسلم (١١٧٨).
رواه جماعة من الثقات (سفيان الثوري، وابن عُيَيْنة، وابن جُرَيْجٍ، وأيوب، وحَمَّاد بن زيد، وهُشَيْم) عن عمرو بن دينار. ولم يقل أحد منهم: (يَخطب بعرفات) غير شُعبة. خَرَّج رواياتهم مسلم (١١٧٨) وقال: كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ عَمْرِو، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: (يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ) غَيْرُ شُعْبَةَ وَحْدَهُ.
فهل تُقَدَّم رواية الجَمْع على رواية الواحد، فتكون لفظة (يَخطب بعرفات) شاذة، أم زيادة ثقة؟
الأظهر: أن تَفرُّد شُعبة بزيادة: (يَخطب بعرفات) لا يَضر؛ لأنه إمام مُبَرَّز في الحفظ والإتقان، فمِثله يُعتمد على حفظه، فتُقْبَل زيادته إذا لم تكن مُخالِفة، ودل على صحتها إخراج البخاري ومسلم لها.
وقد وردت زيادة شاذة ضعيفة من طريق إسماعيل الجَحْدَرِيّ عن يزيد بْن زُرَيْعٍ، عن أيوب، عن عمرو، به. وزاد فيه: (وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ).
ولعل هذه الزيادة غلط من النُّسَّاخ؛ لأن النَّسَائي خَرَّج هذه الرواية في «الكبرى» (٣٦٤٥) بنفس السند الذي في «الصغرى» وليست الزيادة فيه، أو أن هذا شذوذ من إسماعيل الجَحْدَريّ بلا ريب؛ إذ قد رواه الثقات الأثبات (سُفيان الثوري، وابن عُيَيْنة، وابن جُرَيْجٍ، وحَمَّاد بن زيد، وهُشَيْم، وأَيوب) عن عمرو بن دينار) فلم يَذكروا هذه الزيادة.
قال الدارقطني: وكُل مَنْ ذَكَر قَطْع الخُفين في حديث ابن عباس، فقد وَهِم. «العلل» (٧/ ١٧١).

<<  <   >  >>