للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول: حُكْم ترتيب أعمال يوم النحر:

ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَمَى فِي حِجَّتِهِ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ نَحَرَ بُدُنَهُ، ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ، ثُمَّ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا سُنَّةُ الْحَجِّ (١).

قال ابن قُدامة: وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مُخَالَفَةَ التَّرْتِيبِ لَا تُخْرِجُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ عَنِ الْإِجْزَاءِ، وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعُهَا مَوْقِعَهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الدَّمِ (٢).

وقد اختَلف العلماء في حكم ترتيب أعمال يوم النحر على أربعة أقوال:

القول الأول: أن ترتيب أعمال يوم النحر سُنة. وهو مذهب أبي يوسف من الحنفية، والشافعية، والمشهور عن الحنابلة (٣).

واستدلوا بما ورد عَنِ ابْنِ عَمْرِو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فقالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَأَتَاهُ آخَرُ، فَقَالَ: إِنِّي أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فقالَ: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ». قَالَ: فَمَا رَأَيْتُهُ سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ، إِلَّا قَالَ: «افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ» (٤).

القول الثاني: أن الترتيب واجب بين (الرمي والذبح والحلق) أما الترتيب بينها وبين الطواف فسُنة. وهذا مذهب الحنفية (٥).

واستدلوا لعدم جواز تقديم الحلق على الذبح بعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] يعني: ولا تَحلقوا حتى تَذبحوا. فدلت الآية على وجوب تقديم النحر على الحَلْق.


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ١١٧). وكذا نَقَل الإجماع ابن عبد البر في «الاستذكار» (٤/ ٣٩٤).
ووقع خلاف شاذ عن بعض المالكية في القارن، فقال: لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَطُوفَ. كَأَنَّهُ لَاحَظَ أَنَّهُ فِي عَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَالْعُمْرَةُ يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْحَلْقُ عَنِ الطَّوَافِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ. «فتح الباري» (٣/ ٥٧١).
(٢) «المغني» (٥/ ٣٢٣).
(٣) «الإيضاح» (ص: ٣١١)، و «المجموع» (٨/ ٢١٦)، و «المغني» (٥/ ٣٢٠).
(٤) رواه البخاري (٨٣)، ومسلم (١٣٠٦).
(٥) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٥٨)، و «المبسوط» (٤/ ٤١، ٤٢).

<<  <   >  >>