للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيدل على أن المسعى لا يكون تابعًا للمسجد إلا إذا حصلت الحاجة المَاسَّة للطائفين بالمرور فيه.

والراجح: أن المسعى مَشْعَر مستقل، له أحكامه الخاصة، ومع هذا فلا يُمنع الطائف من المرور بالمسعى أثناء طوافه في حال الحاجة المُلِحة والزحام الشديد. وأما في حال عدم الحاجة، فلا يَجوز مرور الطائف؛ لأنه مَشْعَر مستقل بأحكامه الخاصة. وهذا القول هو الذي يَجمع بين الأدلة، ويَرفع الحرج عن المكلفين، والله أعلم.

الشرط الثاني: الابتداء من الحَجَر الأسود:

اختَلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الابتداء من الحَجَر الأسود شَرْط لصحة الطواف، وأن الشوط الذي يكون بعد الحَجَر باطل ولا يجزئ. وبه قال بعض الحنفية والشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا بما ورد في «الصحيحين»: عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ (٢).

وَجْه الدلالة: أن الله أَمَر بالطواف بالبيت العتيق بقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] ولم يُحدِّد مكان الابتداء، فبَيَّن ذلك النبي بفعله وابتدأ بالحَجَر الأسود، وقد أَمَر بالاقتداء به، فقال: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ» فدل ذلك على أن الابتداء من الحَجَر الأسود شرط لصحة الطواف. وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وقد بَيَّن بفعله الصلاة، وقال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».

القول الثاني: أن الابتداء من الحَجَر الأسود واجب، فلو تَرَكه فإنه يَجبره بدم إذا رجع إلى بلده، ويَلزمه الإعادة ما دام في مكة. وهو قول لأبي حنيفة، ومالك (٣).

واستدلوا بأن الله أَمَر بالطواف بالبيت، ومواظبة النبي الابتداء من الحَجَر الأسود تدل على وجوبه.


(١) «المجموع» (٨/ ٤٤)، و «الإنصاف» (٤/ ١٩).
(٢) البخاري (١٦٠٣)، ومسلم (١٢٦١) وفي الباب عن جابر في حديثه الطويل عند مسلم
(٣) «شرح فتح القدير» (٢/ ٤٥٣، ٤٥٥)، و «حاشية الدسوقي» (٢/ ٣١).

<<  <   >  >>