للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المائدة: ٩٥] وعموم قوله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ [المائدة: ٩٦] فمَن تحلل التحلل الأول لم يَزَل مُحْرِمًا، بدليل أنه يَحرم عليه النساء، وإن كان قد حل له بعض ما حَرُم عليه، حتى يطوف طواف الإفاضة ويتحلل التحلل الأكبر.

واستدلوا لتحريم الطِّيب بما رُوي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ … إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ» (١).

وبعموم قول عمر: إِذَا جِئْتُمْ مِنًى، فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ، إِلاَّ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، لَا يَمَسَّ أَحَدٌ نِسَاءً وَلَا طِيبًا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.

وَعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِذَا رَمَى وَحَلَقَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ. قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ، أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ (٢).

ففي هذا الأثر رَدٌّ على عمر وابنه، فالرسول تَطَيَّبَ قبل طواف الإفاضة وبعد رمي الجمرة، أي: بعد التحلل الأول، وسُنة رسول الله أحق أن تُتبع.

وقياس الطِّيب على القُبلة والمُباشَرة، بجامع أن كلًّا منهما من دواعي الجماع- لا يُسَلَّم؛ لأن القُبلة والمُباشَرة من دواعي قضاء الشهوة المتعلقة بالنساء، بينما الطِّيب قد يكون في اجتماعات الناس ولقاءاتهم.

والراجح: أنه يحل للحاج بالتحلل الأول كل شيء حَرُم عليه قبل الإحرام، إلا الجماع، وهذا بالإجماع، وكذا القُبلة والمُباشَرة سدًّا للذريعة، والله أعلم.

[المطلب الرابع: التحلل الأكبر]

يَحصل التحلل الأكبر بفعل ثلاثة أشياء: رمي الجمرة، والحَلْق، وطواف الإفاضة.

والسُّنة الترتيب بين هذه الأعمال، رَمْي جمرة العقبة، ثم الحَلْق، ثم طواف الإفاضة. ويباح تقديم أو تأخير أحدها على الآخَر.

واتَّفق العلماء على أن الحاج إذا رمى جمرة العقبة، ثم حَلَق أو قَصَّر، ثم طاف طواف


(١) أخرجه ابن خُزيمة (٢٨٠٠) وإن كان ظاهر إسناده الصحة، إلا أن لفظة «الطِّيب» منكرة؛ لأنها مُخالِفة لما ورد في «الصحيحين» عن عائشة قالت: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللهِ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ، حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ، قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ».
(٢) إسناده صحيح: أخرجه النَّسَائي في «الكبرى» (٤١٥٢).

<<  <   >  >>