للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما رواية شُعبة فقد اختُلف عليه: فرواه جماعة بلفظ: «نصف صاع طعامًا» وجماعة: «نصف صاع حنطة» ولذا تُقَدَّم رواية التمر التي لا اختلاف فيها.

وأما حديث: «أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ» فهذا حديث منكر (١).

المبحث الرابع: ما نوع النسك الذي أَمَر النبي به كعب بن عُجْرة؟

وَرَدَ أن النسك شاة، قال النبي لكعب: «احْلِقْ رَأْسَكَ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا» (٢).

وفي حديث عبد الله بن مَعْقِل: قَالَ النَّبِيُّ لكَعْبِ: «تَجِدُ شَاةً؟» (٣).

فالنبي عَيَّن الشاة نسكًا لكعب، وأخبره كعب أنه لا يجدها.

ولكن يُشْكِل عليهما حديث ابن عمر، أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ أَنْ يَفْتَدِيَ، فَافْتَدَى بِبَقَرَةٍ (٤).


(١) قال ابن حزم: فوجدنا أصحاب شُعبة قد اختلفوا عليه، فوجب ترك ما اضطربوا فيه؛ إذ ليس بعضه أَوْلَى من بعض، ووجب الرجوع إلى رواية ابن أبي ليلى الذي لم يضطرب الثقات من رواته فيه. «المُحَلَّى» (٧/ ٢١٠). وقال ابن حجر: والمحفوظ رواية التمر؛ فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قِلابة كما تقدم، ولم يُختلَف فيه على أبي قِلابة. «فتح الباري» (٤/ ١٧).
(٢) أخرجه مسلم (١٢٠١).
(٣) أخرجه البخاري (١٨١٦)، ومسلم (١٢٢٠).
(٤) منكر: مدار هذا الحديث على نافع، وقد اختُلف عليه من ثلاثة وجوه:
الأول: فرواه عبد الوهاب بن بُخْتٍ وأبو مَعْشَر، كلاهما عن نافع عن ابن عمر، عند الطبراني (٢١٠).
الثاني: ورواه اللَّيْث، عن نافعٍ، أن رجلًا أخبره، عن كعب، به، عند أبي داود (١٨٥٩).
الثالث: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَارٍ، أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ ابْنَ كَعْبِ: مَا صَنَعَ أَبُوكَ فِي الْأَذَى الَّذِي أَصَابَهُ؟ قَالَ: ذَبَحَ بَقَرَةً. أخرجه سعيد بن منصور في «السُّنن» (٣/ ٧٤٣). وفي هذا السند علتان: الأولى: ابن أبي ليلى سيئ الحفظ. الثانية: سليمان لم يدرك عمر.
وللحديث طرق أخرى ضعيفة عند الطبراني (٣٢٩) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٤/ ٣٥).
فأَرْجَح هذه الطرق طريق عبد الوهاب بن بُخْت، وهو وإن كان ثقة، فالمتن منكر لأمرين:
الأول: أن عبد الوهاب ليس من أصحاب نافعٍ المشاهير، فأين أيوب ومالك من هذه الرواية؟!
الثاني: نكارة متنه؛ فإن المحفوظ في «الصحيحين» أن النبي قال لكعب: «أتجد شاة؟» وليس بقرة.
قال ابن حزم: وعلى كُلٍّ فهذه الروايات منكرة؛ لأنها مُخالِفة للمحفوظ في «الصحيحين» وغيرهما، أن النبي قال لكعب: «أتجد شاة؟». «المُحَلَّى» (٧/ ٢١٢)، وقال ابن عبد البر: كُلُّ مَنْ ذَكَرَ النُّسُكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا، فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِشَاةٍ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. «التمهيد» (٢/ ٢٣٧).
وقال القاري: ومن المُنكَر قوله: (ونَحَر بقرة) ففِي «الصحيح» أَنْ النبي قال له: «أتجد شاة؟». «عمدة القاري» (١٠/ ١٥١)، وضَعَّفه عبد الحق الإشبيلي، وقال: والصحيح شاة. «الأحكام الوسطى» (٢/ ٣٠٥). وكذا ضَعَّفه ابن حجر فقال: ولم يَثبت. «فتح الباري» (٤/ ١٩).

<<  <   >  >>