للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: أن المُحْرِم الذي يَمرض ولا يَقدر أن يصل إلى البيت- يَظل على إحرامه، فإذا برأ أتى البيت فيطوف ويسعى. فدل ذلك على أنه لا يحل لمُحْصَر أن يحل دون البيت بسبب المرض إلا مَنْ أحصره العدو.

وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَابْنَ الزُّبَيْرِ- أَفْتَوْا سَعِيدًا الْمَخْزُومِيَّ حِينَ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، بِأَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَيَفْتَدِيَ، فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ فَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِيَ (١).

وأما المعقول، فإن الإحصار بالعدو يَطُول، فيَحتاج المُحْرِم إلى التحلل، ويَصعب عليه الوصول إلى البيت. بينما العِلل العارضة في الأبدان كالمرض، بخلاف ذلك.

الراجح: أن الإحصار هو كل ما يَمنع المُحْرِم من الوصول إلى البيت، فيتحقق بكل حابس يَحبس المُحْرِم عن المضي في موجب الإحرام، سواء كان الحابس مرضًا أو ذَهاب النفقة أو غير ذلك؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] ولَفْظ الإحصار مُطْلَق، لم يُقَيَّد، فيَدخل فيه العدو والمرض ونحوهما.

فكيف يُكَلَّف المُحْرِم البقاء على حال الإحرام، ومَنْعه من الثياب والطِّيب، هذه المدةَ الطويلة، والله يقول: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] فمَن مُنع من إتمام نسكه لعدم حمله تصريحًا، إن اشترط حل ولا شيء عليه، وإذا لم يَشترط فحُكمه حُكم المُحْصَر.

[المبحث الثاني: شروط وجوب دم الإحصار عن الوقوف بعرفة]

الشرط الأول: ألا يكون محصورًا عن الوقوف بعرفة أو الإفاضة. وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: ألا يكون قد وقف بعرفة قبل حدوث المانع من المتابعة. فلا يكون محصورًا حتى يفوته الوقوف بعرفة، فإذا فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية (٢). لعموم قوله : «الحَجُّ عَرَفَةُ» لأنه الركن الذي يَفوت الحج بفواته.


(١) إسناده صحيح: أخرجه مالك (١٠٤٨)، والشافعي في «الأم» (٣/ ٤١٠) واللفظ له.
(٢) «تبيين الحقائق» (٢/ ٨١)، و «بُلْغَة السالك» (٢/ ١٣٠)، و «الحاوي» (٤/ ٣٤٩).

<<  <   >  >>