للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن الله خاطب الجماعة بالإحصار بقوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ وحَصْر الجماعة لا يكون إلا بالعدو. أما المرض فيُحْصَر به الواحد فقط.

الثالث: أن هذه الآية نَزَلَتْ في غزوة الحُديبية، وذلك إحصار عدو (١).

ونوقش بأنه وإن كان نزول الآية خاصًّا بالحُديبية، حين تَعَرَّضَ المشركون للمسلمين ومنعوهم من الوصول إلى البيت، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلفظ الآية عامّ في كل إحصار، سواء كان بعدو أو مرض أو نحو ذلك.

وأما السُّنة، فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الحَجَّ؟» قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً! فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي».

وَجْه الدلالة: أن ضُبَاعَة لو كان لها أن تحل بالمرض من غير شرط، لأَخْبَرها بذلك، ولم يُعلقها بالشرط.

ونوقش بأن الاشتراط يكون لمن يشكو المرض قبل سفره، وأما مَنْ لم يَشْكُ المرض قبل سفره، بل شكاه بعده، فإنه يُعَد مُحْصَرًا بمرضه وله التحلل.

ورَوى البخاري: عَنْ سَالِم قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: «أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الحَجِّ، طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» (٢).

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (٣).

وَعَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا، فَلَمَّا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ صُرِعْتُ عَنْ رَاحِلَتِي، فَانْكَسَرَتْ رِجْلِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، فَقَالَا: إِنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ كَوَقْتِ الْحَجِّ، لَا يَحِلَّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَأَقَمْتُ بِالدَّثِينَةِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانيَةَ أَشْهُرٍ (٤).


(١) «الأم» (٣/ ٤٠٨).
(٢) «صحيح البخاري» (١٨١٠).
(٣) إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (١٠٤٧) عن ابن شِهَاب، عن سالم، عن ابن عمر، به.
(٤) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (١٣٢٤٢) قال: حَدَّثَنا ابن عُلَيَّة، عن أيوب، عن أبي العلاء، به. والدَّثِينة: موضع بالشأم أو بعدن.

<<  <   >  >>