للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما السُّنة، فعن عكرمة قال: سَمعتُ الحَجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله : «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ». قال عكرمة: سألتُ ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك، فقالا: صَدَق.

وَجْه الدلالة: أن المُحْرِم إذا عَرَض له ما يَحبسه عن الحج، من مرض أو كَسْر، فإنه يحل وإن لم يَشترط، ولا شيء عليه من هَدْي ولا غيره إلا القضاء من العام المقبل (١).

واعتُرض عليه بأن معنى (فقد حَلَّ) أي: صار ممن يَجوز له التحلل بعد أن كان ممنوعًا منه، ويَلزمه ما يَلزم المُحْصَر من هَدْي.

وأما المأثور، فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: خَرَجْنَا عُمَّارًا، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ السُّقُوفِ لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، فَاعْتَرَضْنَا الطَّرِيقَ لِنَسْأَلَ، فَإِذَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَكْبٍ، فَقُلْنَا: لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا! فَقَالَ: «اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِكُمْ يَوْمَ أَمَارَةٍ، وَيُرْسِلُ بِالْهَدْيِ، فَإِذَا نُحِرَ الْهَدْيُ فَلْيُحِلَّ، وَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ» (٢).

وأما القياس، فإن المعنى الذي لأجله ثَبَتَ حق التحلل للْمُحْصَر بالعدو- موجود كذلك في المرض.

القول الآخَر: مَنْ تَعَذَّرَ عليه الوصول إلى البيت بحاصر آخَر غير العدو، كالحصر بالمرض أو ذَهاب النفقة ونحوه، فإنه لا يَجوز له التحلل إلا بعمل العمرة. وهو مذهب المالكية والشافعية، وهو المشهور عند الحنابلة (٣).

واستدلوا بالقرآن والسُّنة والمعقول:

أما القرآن، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وَجْه الاستدلال من ثلاثة أوجه:

الأول: أن قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ يدل على أن الإحصار من العدو، وإنما يكون من المرض الشفاء.


(١) وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ فَقَالَتْ: مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ عَرَجٍ، فَقَدْ حَلَّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي عَرَضَ لَهُ هَذَا فِيهِ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ. «الاستذكار» (١٢/ ٩٧).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (١٣٠٧٨): عن الأعمش، عن عُمارة بن عُمَيْر، به.
(٣) «الإشراف» (١/ ٥٠٤)، قال مالك: وذلك الأمر عندنا فيمن أُحْصِرَ بغير عدو. «الموطأ» (٢/ ٤٢٩).

<<  <   >  >>