للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْه الدلالة: هذه الحَجة ثم ظهورَ الحُصُر معناه: ثم لا تَخرجن من بيوتكن لحجة أخرى وتَلزمن الحُصُر. فظاهره يدل على منع نسائه بعد حجهن معه من الحج.

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: بأن هذا الحديث منكر؛ لأنه كيف يَنْهَى النبي نساءه عن تَكرار الحج، ثم يذهبن للحج ويخالفن أمره؟! (١).

فَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «أَذِنَ عُمَرُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ» (٢).

الوجه الثاني: بحَمْل قوله : «هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصُرِ» على أن المراد به أنه لا تجب عليكن، ولا يَلزمكن إلا هذه الحَجة.

[المبحث السابع: من مقاصد الحج]

• المَقصِد الأول: تحقيق التوحيد وإخلاص العبادة لله:

لأن الله تعالى ما أَمَر ببناء البيت إلا لذلك، كما قال سبحانه: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحج: ٢٦] وتطهير البيت إنما يكون بتطهيره من الشرك والأوثان، وكذا من الأوساخ والأدران.

فالعلاقة واضحة بين التوحيد والحج؛ ولذا فإن سائر المناسك مبنية على التوحيد.

ودل على ذلك أمور كثيرة، منها:

الأول: أن النبي لم يحج في السَّنة التاسعة حين فُرِض الحج؛ لأن الشرك كانت آثاره بادية في المسجد الحرام، حيث كان المشركون يطوفون بالبيت عراة، ويُحَوِّلون الحج إلى موسم ومِهرجان للوثنية، فبَعَث النبيُّ أبا بكر الصِّديق أميرًا على الحج، وأَمَره أن يبين للناس أمرين: «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» (٣).


(١) قال الذهبي: وهذا منكر، فما زلن يَحججن. «ميزان الاعتدال» (٤/ ٣٣٠).
(٢) البخاري (١٨٦٠).
(٣) أخرجه البخاري (٣٦٩) (١٦٢٢)، ومسلم (١٣٤٧) عن أبي هريرة .

<<  <   >  >>