والراجح: أن مَنْ أَحْرَم بعد الميقات، ثم رجع إلاه؛ فإنه لا يَسقط عنه الدم، وأن الفدية تَلزمه؛ لأنه رجع بعدما استقر الدم في ذمته؛ لأنه يجب ابتداء الإحرام من الميقات، فإذا تجاوزه وأَحْرَم بعده فقد هَتَك حرمة الميقات، فوجب عليه الدم. وهذا لا يمكنه تداركه بالرجوع؛ لأنه قد حَصَل الإحرام، فلا يَقدر على حَله بعد عَقْده، وأن الدم ثَبَت عليه وإن رجع إلى الميقات، كمَن لَبِس المَخيط وهو مُحْرِم، فلا تَسقط عنه الفدية بنزعه.
المطلب الرابع: مَنْ تجاوز الميقات وأَحْرَم بعده، ولم يَرجع لأنه لم يَحمل تصريحًا:
ذهب جماهير العلماء إلى أن مَنْ تجاوز الميقات وأَحْرَم بعده، فإن إحرامه صحيح ويَلزمه دم.
يَعْمِد بعض الحُجاج إلى لُبس المَخيط عند إحرامهم من الميقات؛ لعدم حَمْلهم التصريح الخاص بالحج، ويَظن بعضهم أن الإحرام هو لباس الإحرام؛ لعدم تفريقهم بين لبس ملابس الإحرام وعَقْد النية بالإحرام.
فإذا تَجاوَز الميقات وأَحْرَم بعده، فإن إحرامه صحيح ويَلزمه دم؛ لأنه تَرَك واجبًا من واجبات الحج، وهو الإحرام من الميقات. والصحيح أن يَنوي عند محاذاة الميقات، ولو كان لابسًا المَخيط، فإذا قال في الميقات:(لبيك حجًّا، وإِنْ حَبَسني حابس فمَحِلي حيث حَبَسْتَني) فقد أَحْرَم من الميقات، ويُخيَّر بين ثلاثة أمور: إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذَبْح نَسيكة. لأنه تَلبَّس بارتكاب محظور، وهو لُبس المَخيط.
المبحث الخامس: حُكْم الإحرام لمن جاوز الميقات إلى مكة لحاجة غير النسك:
إذا جاوز الميقاتَ غير مريد للنسك، فله ثلاث حالات:
الأولى: إذا جاوز الميقات غير مريد نسكًا ثم أراده:
اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: أن مَنْ جاوز الميقاتَ غير مريد للنسك، ثم أراده، فإنه يُحْرِم من موضعه.