للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا … ﴾ [المائدة: ٩٥].

المبحث الثاني: حُكْم أكل الُمْحِرم من الصيد، أو: إذا صاد المُحِل صيدًا وأطعمه المُحْرِم، فهل يكون حلالًا للمُحْرِم؟

اختَلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه لا يَجوز لمُحْرِمٍ أَكْل لَحْم صَيْدٍ البتة. وهو قول عليّ وابن عمر، وطاوس وجابر بن زيد (١).

واستدلوا بظاهر قوله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ فظاهر الآية تحريم أكل الصيد للمُحْرِم بالكلية، سواء أَصِيد من أجله أم لم يُصَد. قال ابن عباس: هي مُبْهَمَة.

ونوقش بأن معنى الآية: حُرِّم عليكم أن تصيدوا صيد البَر، أي: الاصطياد وقَتْل الصيد وأَكْله لمن صاده. وليس بمعنى مَصِيد، فمَن لم يَصِده فليس ممن عُني بالآية، فتكون هذه الآية على هذا التأويل مثل قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ (٢).

واستدلوا بِأَنَّ الصَّعْبَ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَامْتَنَعَ رَسُولُ اللهِ عَنْ قَبُولِ الصَّيْدِ مِنَ الصَّعْبِ، وَاعْتَذَرَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» (٣).

فظواهر هذه النصوص دالة على أن أكل لحم الصيد حرام على المُحْرِم بكل حال.

ونوقش بما قاله الشافعي: فَإِنْ كَانَ الصَّعْبُ أَهْدَى الْحِمَارَ لِلنَّبِيِّ ، فَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ حَيٍّ. وَإِنْ كَانَ أَهْدَى لَهُ لَحْمًا، فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، وَمِنْ سُنَّتِهِ أَنْ لَا يُحِلَّ لِلْمُحْرِمِ مَا صِيدَ لَهُ (٤).

القول الثاني: يَجُوزُ للِمُحْرِمٍ أَكَل مَا صَادَهُ الْحَلَالُ مِنَ الصَّيْدِ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ،


(١) «التمهيد» (٢١/ ١٥٣).
(٢) قال ابن كثير: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ أي: في حال إحرامكم يَحرم عليكم الاصطياد.
(٣) رواه مسلم (١١٩٥).
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: أُهْدِيَ لرَسُولِ اللهِ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ، فَرَدَّهُ فَقَالَ: «إِنَّا لَا نَأْكُلُهُ، إِنَّا حُرُمٌ».
(٤) «اختلاف الحديث» (٨/ ٦٥٦).

<<  <   >  >>