للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالزُّبَيْرِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (١).

واستدلوا بما ورد عن أبي قتادة، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ ، فَتَخَلَّفَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ: الجَرَادَةُ، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا، فَتَنَاوَلَهُ، فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَكَلَ، فَأَكَلُوا فَنَدِمُوا، فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟» قَالَ: مَعَنَا رِجْلُهُ. فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ فَأَكَلَهَا (٢).


(١) «التمهيد» (٢١/ ١٥٢). وقال الكاساني: ويَحِل للمُحْرِم أكل صيدٍ اصطاده الحلال لنفسه، عند عامة العلماء. «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٠٥).
(٢) رواه البخاري (٢٨٥٤) واللفظ له، ومسلم (١١٩٦).
وقد رُوي هذا الحديث بألفاظ كثيرة، وقد اختُلف في ألفاظه على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: اختُلف في العامِ الذي وقعت فيه القصة، هل وقعت في عام الحُديبية، أم في حجة الوداع؟
ومداره على عبد الله بن أبي قتادة، واختُلف عليه:
فَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الحُدَيْبِيَة. رواه البخاري (١٨٢١)، ومسلم (١١٩٦).
وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ حَاجًّا.
ولفظة «خَرَجَ حَاجًّا» منكرة؛ فالصواب أن القصة كانت عام الحُديبية، وليست في حجة الوداع.
قال ابن حجر: قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي عُمْرَةٍ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ إِلَى الْحَجِّ فَكَانَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَكَانَ كُلُّهُمْ عَلَى الْجَادَّةِ، لَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَلَعَلَّ الرَّاوِيَ أَرَادَ: (خَرَجَ مُحْرِمًا) فَعَبَّرَ عَنِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ غَلَطًا. «فتح الباري» (٤/ ٢٩).
الوجه الثاني: بعض ألفاظه ذَكَرَتْ أكل أصحاب الرسول فقط، وبعضها ذَكَرَتْ أكل الرسول ، ورُوي أن النبي امتنع من أكل صيد أبي قتادة.
١ - فبعض ألفاظ حديث أبي قتادة ذَكَرَتْ أكل أصحاب الرسول فقط.
فرواه هشام، عن يحيى، عن عبد الله، به، وفيه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ. فَقَالَ لِلْقَوْمِ: «كُلُوا» وَهُمْ مُحْرِمُونَ. أخرجه البخاري (١٨٢٢، ١٨٢٣)، ومسلم (١١٩٦).
٢ - ورُوي أن النبي أَكَل من الصيد، رواه غُنْدَر، عن أبي حازم، عن عبد الله، به، وفيه: فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. البخاري (٢٥٧٠).
٣ - ورُوي أن النبي امتَنع من أكل صيد أبي قتادة، فرواه عبد الرزاق (٨٣٣٧) عن مَعْمَر، عن يحيى ابن أبي كَثير، عن عبد الله … وفيه: «فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالأَكْلِ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ».
وهذا المتن شاذ لمخالفة مَعْمَر للثقات الأثبات الذين أثبتوا أكل رسول الله من صيد أبي قتادة.
قال ابن عبد الهادي: والظاهر أن هذا الذي تفرد به مَعْمَر غلط؛ فإن في «الصحيحين» أن النبي أَكَل منه. «تنقيح التحقيق» (٢/ ٤٤٧). =

<<  <   >  >>