للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: النيابة عن الحي]

وفيه ثلاثة مطالب:

[المطلب الأول: النيابة في الفرض عن القادر.]

القادر على الحج لا يَجوز أن يستنيب مَنْ يحج عنه للفريضة، بالإجماع (١).

[المطلب الثاني: النيابة في الفرض عن غير القادر (المعضوب)]

فالنيابة لا تَجوز إلا لمن أعجزه كِبَر، أو أعجزه مرض لا يُرجَى بُرؤه. ولا يجزئ الحج عن المعضوب بغير إذنه؛ لأن حج الحي يَفتقر إلى نية، بخلاف الميت.

المطلب الثالث: إذا استناب للفريضة ثم برئ، فهل يجب الحج عليه أو يَسقط عنه؟

اختَلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أن مَنْ استناب للحج ثم برئ، فلا يجب عليه الإعادة. وهذا مذهب الحنابلة والظاهرية (٢).

قال ابن قُدامة: وَلَنَا: أَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنَ الْعُهْدَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ، أَوْ نَقُولُ: أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِأَمْرِ الشَّارِعِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ ثَانٍ، كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ. وَلِأَنَّ هَذَا يُفْضِي إِلَى إيجَابِ حَجَّتَيْنِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجِبِ اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً (٣).

القول الآخَر: أن مَنْ استناب للحج ثم برئ قبل الموت لا يجزئه عن حج الفريضة، وعليه الحج بنفسه. وهذا مذهب الحنفية، والشافعية في الأصح (٤).

واستدلوا بالقياس على الآيسة إذا اعْتَدَّتْ بالشهور ثم حاضت، لا تُجْزِئها تلك العِدَّة.

ونوقش بأن الآيسة إذا اعْتَدَّتْ بالشهور، فلا يُتصَوَّر عَوْد حيضها، فإن رأت دمًا فليس بحيض، ولا يَبطل به اعتدادها. ولكن مَنْ ارتفع حيضها، إذا اعْتَدَّتْ سَنة، ثم عاد حيضها، لم يَبطل اعتدادها.


(١) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُجَّ، لَا يُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ يَحُجَّ غَيْرُهُ عَنْهُ. (ص: ٧٣). ونَقَل الإجماع ابن قُدامة في «المغني» (٥/ ٢٢)، و «الفتح» (٤/ ٧٠).
(٢) «الإنصاف» (٣/ ٢٨٧)، و «المُحَلَّى» (٧/ ٥٦).
(٣) «المغني» (٥/ ٢١).
(٤) «فتح القدير» (٣/ ١٤٦)، و «المجموع» (٧/ ١٠٢).

<<  <   >  >>