للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: حكمة السعي]

قال ابن دقيق العيد: في ذلك من الحكمة تَذكُّر الوقائع الماضية للسلف الكرام، وما كانوا عليه من امتثال أمر الله تعالى، وبَذْل الأنفس في ذلك.

وبهذه النكتة يَظهر لك أن كثيرًا من الأعمال التي وقعت في الحج ويقال فيها: (إنها تَعبُّد) ليست كما قيل، ألا ترى أَنَّا إذا فعلناها وتَذَكَّرْنا أسبابها، حَصَل لنا من ذلك تعظيم الأولين وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال أمر الله، وذلك معنًى معقول؟

مثاله: السعي بين الصفا والمروة، إذا فعلناه وتَذَكَّرْنا أن سببه قصة هاجر مع ابنها، وتَرْك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش، منفردَين منقطعَي أسباب الحياة بالكلية، مع ما أظهره الله تعالى لهما من إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالح عظيمة (١).

المبحث الرابع: حُكْم السعي في الحج والعمرة:

اختَلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة. وهو مذهب المالكية، والشافعية، ورواية عن أحمد (٢).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة والمأثور:

أما الكتاب، فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨].

وَجْه الدلالة: أن تصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر الله- يدل على أن السعي بينهما أَمْر حتم لا بد منه؛ لأنه لا يمكن أن تكون شعيرة، ثم لا تكون لازمة في


(١) «إحكام الأحكام» (ص: ٣١٦).
(٢) «الذخيرة» (٣/ ٢٥٠)، و «الأُم» (٢/ ٢١٠)، و «المغني» (٣/ ١٩٤).
قال النووي: مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم- أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج، لا يصح إلا به، ولا يُجْبَر بدم ولا غيره. «شرح مسلم» (٩/ ٢٠).

<<  <   >  >>