للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما القول بأن المعتمر يحل من عمرته بدخول الحرم، وإن لم يَطُف بالبيت، وكذا القول بأن المعتمر لا يحل إلا بعد الطواف، فكلاهما شاذ لمخالفته للسُّنة وإجماع الأمة.

المبحث الثالث: أكانت صلاة رسول الله الظُّهر يوم النحر بمكة أم بمِنًى؟

حديث جابر عند مسلم صريح في أن رسول الله صلى الظُّهر يوم النحر بمكة، وفيه: « … ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ».

ولكن يُشكل عليه ما ورد في مسلم أيضًا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى (١).

وقد جَمَع النووي بين الحديثين، فقال: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ مَرَّةً أُخْرَى بِأَصْحَابِهِ، حِينَ سَأَلُوهُ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِالظُّهْرِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بِمِنًى (٢).

وقد رَجَّح جماعة حديث جابر أنه صلى الظُّهر بمكة، بمُرجِّحات، منها:

الأول: أن سياق جابر لحجة النبي من أولها إلى آخرها أتم سياق، وقد حَفِظ القصة وضَبَطها، حتى ضَبَط جزئياتها.

الثاني: أن حجة الوداع كانت في آذار، وهو تَساوِي الليل والنهار، وقد دَفَع من مزدلفة قبل طلوع الشمس إلى مِنًى، وخَطَب، ونَحَر بُدنًا عظيمة وقسمها، وطُبخ له من لحمها وأَكَل منه، ورمى الجمرة، وحَلَق رأسه، وتَطَيَّب، ثم أفاض، فطاف وشَرِب من ماء زمزم.

وهذه أعمال تبدو في الأظهر أنها لا تنقضي في مقدار يمكن معه الرجوع إلى مِنًى، بحيث يُدرِك وقت الظُّهر في فصل آذار في مِنًى (٣).


(١) ومدار الحديث على عُبَيْد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، به، واختُلف عنه في الرفع والوقف:
فرواه عبد الرزاق عن عُبَيْد الله به مرفوعًا، عند مسلم (١٣٠٨).
وخالف عبدَ الرزاق سفيانُ الثوري عند البخاري (١٧٣٢) وحفص بن غِيَاث وعَبْدة بن سليمان، كلاهما عند ابن أبي شيبة (١٤٤٠١، ١٤٤٠٢) ثلاثتهم عن عُبَيْد الله به موقوفًا، دون ذكر الصلاة.
قال البخاري: وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ يَقِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي مِنًى، يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ. وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ.
(٢) «شرح النووي على مسلم» (٨/ ١٩٣).
(٣) «زاد المعاد» (٢/ ٢٥٩ - ٢٦١). وقد رَجَّح ذلك القرطبي كما في «المُفْهِم» (٣/ ٤١١).

<<  <   >  >>