للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند الحنابلة (١).

واستدلوا بأن النبي أَمَر أبا موسى أن يحل بعد السعي، ولم يأمره بالحلق، بقوله : « … طُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ أَحِلَّ» (٢).

واعتُرض عليه بأن النبي لم يأمره بالحَلْق؛ لأن ذلك كان مشهورًا عندهم، فاستُغني عن ذِكره. وأما قوله : «ثم أَحِلّ» فإنما معناه الحِل بالحَلْق لأن الحِل لا يكون إلا به.

القول الثالث: أن المعتمر لا يحل إلا بعد الطواف بالبيت.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ وَلَا غَيْرُ حَاجٍّ، إِلَّا حَلَّ» (٣).

القول الرابع: أن المعتمر يحل من عمرته بدخول الحرم، وإن لم يَطُف بالبيت.

ففي «الصحيحين»: عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: «فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ، وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا» (٤).

قولها: (فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا) يدل على أن المعتمر يحل من عمرته بدخول الحَرَم قبل الطواف؛ لأن مسح الركن- أي: الحَجَر الأَسْوَد- يكون في أول الطواف.

ونوقش هذا الاستدلال بأن حديث أسماء مُجْمَل: (فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا) وحديث ابن عمر مُبيِّن، فيُحْمَل المُجْمَل على المُبيِّن الدالّ على أن التحلل لا يَتم إلا بالسعي والحَلْق. وهو قول عامة أهل العلم من لدن رسول الله إلى يومنا هذا (٥).


(١) «الحاوي» (٤/ ١٦١)، و «المجموع» (٧/ ٤٢٢)، و «الإنصاف» (٤/ ٥٦).
(٢) أخرجه البخاري (١٧٩٥)، ومسلم (١٢٢١).
(٣) أخرجه البخاري (٤٣٩٦)، ومسلم (١٢٤٥).
(٤) أخرجه البخاري (١٧٩٦)، ومسلم (١٢٣٧).
(٥) وقد استَنكر ابن حزم هذا الحديث في «حجة الوداع» (ص: ٣٤٩)، و «المُحَلَّى» (٥/ ٩٥).
قال النووي: وَقَوْلهَا: (فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْن حَلُّوا) هَذَا مُتَأَوَّل عَنْ ظَاهِره؛ لِأَنَّ الرُّكْن هُوَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَمَسْحُهُ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ، وَلَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِمُجَرَّدِ مَسْحِهِ، بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَتَقْدِيرُهُ: فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ وَأَتَمُّوا طَوَافَهُمْ وَسَعْيَهُمْ، وَحَلَقُوا أَوْ قَصَّرُوا، أَحَلُّوا. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِير هَذَا الْمَحْذُوف، وَإِنَّمَا حَذَفَتْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ قَبْلَ إِتْمَامِ الطَّوَافِ. «شرح مسلم» (٨/ ٢٢٢).
وقال ابن حجر: نَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ حَلَّ وَإِنْ لَمْ يَطُفْ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَهَذَا مِنْ شُذُوذِ الْمَذَاهِبِ. «فتح الباري» (٣/ ٦١٦).

<<  <   >  >>