للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب السادس: حُكْم صيام السبعة أيام بمكة بعد فراغه من الحج:

اتَّفَق العلماء على أنه لا يَجوز صيام السبعة أيام قبل الفراغ من أفعال الحج.

ووقع الخلاف بينهم في حكم صومها بعد الفراغ من أفعال الحج بمكة، على قولين:

القول الأول: يجوز صيام السبعة أيام بمكة بعد فراغه من الحج. وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وهو قول للشافعي، والحنابلة (١).

القول الآخَر: لا يجوز صيام الأيام السبعة إلا بعد رجوع الحاج إلى أهله (٢).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وعن ابن عمر ، أن النبي قال: « … فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ».

ونوقش هذا الاستدلال بما قاله ابن قُدامة: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَوَّزَ لَهُ تَأْخِيرَ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْإِجْزَاءَ قَبْلَهُ، كَتَأْخِيرِ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] وَلِأَنَّ الصَّوْمَ وُجِدَ مِنْ أَهْلِهِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَأَجْزَأَهُ، كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ (٣).

فالحاصل: أن الأفضل أن يصوم السبعة إذا رجع إلى أهله؛ رخصة وتخفيفًا ورفقًا به، ويَجوز صيامها بمكة بعد فراغه من الحج أو في الطريق قبل الوصول؛ لقوله تعالى: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] وقيل: المراد بالرجوع إلى الأهل: الفراغ من الحج؛ لأن الفراغ منه سبب الرجوع إلى أهله.

المطلب السابع: هل يُشترَط أن يكون صيام الأيام العَشَرة متتا بعًا؟

يَجوز صوم الثلاثة أيام في الحج، والسبعة إذا رجع إلى أهله، متتابعة ومتفرقة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] فالله أَطْلَق الصيام ولم يَشترط فيه التتابع، وقد نُقِل الإجماع على ذلك (٤).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٧٣)، و «المُدوَّنة» (٢/ ٤١٥)، و «المجموع» (٧/ ١٨٧)، «المبدع» (٣/ ١٧٦).
(٢) وهو قول للشافعية «الحاوي» (٤/ ٥٧)، و «المجموع» (٧/ ١٦١).
(٣) «المغني» (٥/ ٣٦٢).
(٤) قال ابن قُدامة: وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. «المغني» (٥/ ٣٦٣).

<<  <   >  >>