للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمَدِينَةِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ لِذِي الْقَعْدَةِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ (١).

ونوقش بِأَنَّ خُرُوجَهُ لِحَجَّتِهِ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ؛ لأَنَّ الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ، وَهِيَ: يَوْمُ السَّبْتِ، وَالْأَحَدِ، وَالِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاءِ، وَالْأَرْبِعَاءِ، فَهَذِهِ خَمْسٌ. وَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ خُرُوجُهُ لِسَبْعٍ بَقِينَ. فَإِنْ لَمْ يُعَدَّ يَوْمُ الْخُرُوجِ كَانَ لِسِتٍّ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ (٢).

[المبحث الثاني: استحباب دعاء السفر]

فعن ابن عُمَر، أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ» (٣).

المبحث الثالث: يُستحب للمسافر أن يُكثر من طاعة الله:

كالدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحافظ على الأذكار، ويُكبِّر إذا صَعِد مُرتفَعًا، ويُسبِّح إذا نَزَل مُنخفَضًا، روى البخاري: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا (٤).


(١) «حجة الوداع» لابن حزم (ص: ٢٣٢).
(٢) «زاد المعاد» (٢/ ٩٨).
(٣) رواه مسلم (١٣٤٢).
(مُقْرِنين): مطيقين، أي: ما كنا نُطيق قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه لنا.
(وعثاء): الوعثاء: المشقة والشدة.
(وكآبة): الكآبة هي تغبر النفس من حزن ونحوه.
(المنقلب): المرجع.
(٤) رواه البخاري (٢٩٩٣).
قَالَ الْمُهَلَّبُ: تَكْبِيرُهُ عِنْدَ الِارْتِفَاعِ اسْتِشْعَارً لِكِبْرِيَاءِ اللَّهِ ﷿، وَعِنْدَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ مِنْ عَظِيمِ خَلْقِهِ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَتَسْبِيحُهُ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ قِصَّةِ يُونُسَ، فَإِنَّ بِتَسْبِيحِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ الظُّلُمَاتِ، فَسَبَّحَ النَّبِيُّ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ لِيُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْهَا.
وَقِيلَ: مُنَاسَبَةُ التَّسْبِيحِ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُنْخَفِضَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّسْبِيحَ هُوَ التَّنْزِيهُ، فَنَاسَبَ تَنْزِيهَ اللَّهِ عَنْ صِفَاتِ الِانْخِفَاضِ، كَمَا نَاسَبَ تَكْبِيرَهُ عِنْدَ الْأَمَاكِنِ الْمُرْتَفِعَةِ. «فتح الباري» (٦/ ١٣٦).

<<  <   >  >>