للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أن اتباع السُّنة أَوْلَى، واقتفاء هَدْي النبي هو الأكمل، ولكن في بعض الأحيان العمل المفضول قد يَقترن به ما يصير به أفضل من الفاضل في نفسه.

والآن مع كثرة الحُجاج ووجود الزحام، يَشُق على كثير من الحُجاج الذَّهاب إلى مِنًى في يوم التروية، فهل يَجوز تقديم الذَّهاب إلى عرفة لأجل حاجة أو مصلحة راجحة؟

نعم، فمع حشود الحجيج الكبيرة والمشقة البالغة في ذَهابهم يوم التروية إلي مِنًى، يجوز تقديم الذَّهاب إلى عرفة في اليوم الثامن أو ليلة التاسع؛ لتحقيق المصلحة الراجحة، فوصول الحجيج في وقت مبكر، وأَخْذ كفايتهم من المبيت والراحة- يُعِنيهم على الوقوف بعرفة والدعاء فيها بصورة أمثل؛ لأن مراعاة ركن الحج الأعظم أَوْلَى من مراعاة السُّنن الأخرى المستحبة باتفاق العلماء، كالمبيت بمِنًى ليلة عرفة.

ولأنه بخروجه من مِنًى ضُحى يوم عرفة فمع الزحام قد يأخذ وقتًا حتى يصل إلى عرفة، ومع التعب والإرهاق قد لا يتسنى له التركيز في دعائه. (١).

المبحث الثالث: أن يَسِير إلى عرفة بسكينة ووقار؛

لِما روى ابن عباس أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ؛ فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ».

المبحث الرابع: يُستحَب أن يُكْثِر من التلبية والتكبير:

يُستحَب للحاج أثناء دفعه إلى عرفات أن يُكثِر من التلبية والتكبير؛ لِما ورد عن محمد بن أبي بكر قال: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ التَّلْبِيَةِ، كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ ؟ قَالَ: «كَانَ يُلَبِّي المُلَبِّي لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ المُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ» (٢).

وروى مسلم: عن ابن عمر قال: غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ، مِنَّا


(١) قال ابن حجر الهيتمي: وما حَدَث الآن من مبيت أكثر الناس هذه الليلة بعرفة- بدعة قبيحة، اللهم إلا مَنْ يَخاف زحمة. «تحفة المحتاج» (٤/ ١٠٥).
(٢) رواه البخاري (٩٧٠) ومسلم (١٢٨٥).

<<  <   >  >>