للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الرابع: أحكام الأكل من الصيد والدلالة عليه: وفيه مطلبان:

المطلب الأول: مَنْ صِيد لأجله:

مَنْ صِيد لأجله فإنه يَحرم عليه أكله. وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة (١).

عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» (٢).

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِلَحْمِ صَيْدٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. فَقَالُوا: أَوَلَا تَأْكُلُ أَنْتَ؟! فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي» (٣).

المطلب الثاني: إذا صاد المُحِل صيدًا وأطعمه المُحْرِم، فهل يكون حلالًا للمُحْرِم؟

إذا صاد المُحِل صيدًا، وأطعمه المُحْرِم دون أن يُعِينه بشيء على صيده، فإنه يَحِل للمُحْرِم أكله. وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة (٤).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ [المائدة: ٩٦].

فكلمة: (صَيْد) مَصْدَر، أي: حُرِّم عليكم أن تصيدوا صيد البر. وليس بمعنى مَصِيد.

واستدلوا بما رُوي: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ بِالقَاحَةِ، وَمِنَّا المُحْرِمُ، وَمِنَّا غَيْرُ المُحْرِمِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ، يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ، فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، إِنَّا مُحْرِمُونَ. فَتَنَاوَلْتُهُ، فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَعَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأْكُلُوا. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ أَمَامَنَا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «كُلُوهُ، حَلَالٌ» (٥).


(١) «حاشية الدسوقي» (٢/ ٧٨، ٧٩)، و «المجموع» (٧/ ٣٢٤)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٣٨).
(٢) رواه البخاري (١٨٢٥)، ومسلم (١١٩٣).
(٣) إسناده صحيح: رواه مالك (١٠١٦) عن عبد الله بن أبي بكر، به.
(٤) قال الكاساني: وَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ صَيْدٍ اصْطَادَهُ الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٠٥)، و «شرح مختصر خليل» (٢/ ٣٧٢)، و «الحاوي» (٤/ ٧٧٩)، و «المغني» (٣/ ٢٩١).
(٥) رواه البخاري (١٨٢٣)، ومسلم (١١٩٦).

<<  <   >  >>