للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعتُرض على هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: أن حديث ابن عباس الذي فيه: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» أي: في الحج. وحديث عائشة أن النبي أَمَر عبد الرحمن أن يُعْمِرها من التنعيم، أي: مِنْ أدنى الحِل- خاص بالعمرة.

وقد نَقَل ابن قُدامة الإجماع على ذلك، فقال: مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَهِيَ مِيقَاتُهُ لِلْحَجِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَمِنَ الْحِلِّ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا (١).

الوجه الثاني للتفريق بين الحج والعمرة: ما ذَكَره ابن عبد البر: وَلَيْسَ الحَاجُّ كَالْمُعْتَمِرِ عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، فَأَمَرُوا الْمُعْتَمِرَ الْمَكِّيَّ أَوْ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ تَنْقَضِي بِطَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَالْحَاجُّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَرَفَةَ وَهِيَ حِلٌّ، فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْخُرُوجُ إِلَى الْحِلِّ لِيُهِلَّ مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُعْتَمِرِ (٢).

المطلب الثاني: اختَلف العلماء في أي جهات الحِل أفضل للمعتمرين من مكة، على أربعة أقوال:

القول الأول: أن جهات الحِل مستوية في الفضل. وهو قول للحنفية والحنابلة (٣).

واستدلوا بما رواه البخاري عن عائشة : فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: «اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ» (٤).

وَجْه الدلالة: أن النبي أَمَر عبدَ الرحمن أن يَخرج بعائشة من الحرم إلى الحِل حتى تُهِل بالعمرة، فدل على أن التنعيم غير مقصود.

القول الثاني: أن الاعتمار من التنعيم أفضل من سائر الحِل. وهو مذهب الحنفية،


(١) «المغني» (٥/ ٥٩)، و (التنعيم): موضع بمكة في الحِل، يَبعد عن الحرم ستة أميال على طريق المدينة.
(٢) «الاستذكار» (٤/ ٧٨).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٦٧)، و «المغني» (٥/ ٦٠).
(٤) أخرجه البخاري (١٥٦٠).

<<  <   >  >>