للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: ما لم يَزرعه الآدمي، فهذا منه ما يَجوز قلعه كالإِذخِر والشوك، وما كان دواء كالسَّنا، وما يَحرم قلعه كالكلأ إن كان رَطْبًا، ويجوز تسريح البهائم فيها.

المبحث الثاني: حُكم بيع بيوت مكة وإجارتها

اختَلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

الأول: يَجوز بيع بيوت مكة وإجارتها. وهو قول أبي يوسف من الحنفية، وقول عند المالكية، ومذهب الشافعية، ورواية عن أحمد (١).

واستدلوا بقوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ [الحشر: ٨].

وَجْه الدلالة: أنه أضاف الديار للمُهاجِرين، والإضافة تقتضي التمليك، ولو كانت الديار ليست لهم لَمَا كانوا مظلومين في إخراجهم من دُور ليست بمِلكهم. وقد قال رسول الله : «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، فَهُوَ آمِنٌ» أضاف الدار إلى أبي سفيان، فهذا دليل على صحة تملكه، وما صح في التملك صح بيعه وإجارته.

وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟!» (٢).

وَجْه الاستدلال: هذا صريح في إمضائه بيع عَقيل، ولو كان بيعها لا يصح لَمَا أَقَره النبي ؛ لأنه لا يُقِر على باطل، بإجماع المسلمين.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ اشْتَرَى دَارَ السِّجْنِ (بِمَكَّةَ) مِنْ صَفْوَانَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ عُمَرَ لَمْ يَرْضَ فَأَرْبَعُ مِئَةٍ لِصَفْوَانَ (٣).


(١) «شرح معاني الآثار» (٤/ ٤٩)، و «الذخيرة» (٥/ ٤٠٦)، و «المجموع» (٩/ ٢٣٥)، و «المغني» (٤/ ١٧٧).
(٢) البخاري (١٥٨٨)، ومسلم (١٣٥١).
(٣) حسن: أخرجه البخاري في «صحيحه» تعليقًا بصيغة الجزم (٤٧٩).
وقد وَصَله ابن أبي شيبة (٢٣٦٦٢): حَدَّثَنا ابن عُيينة، عن عمرو، عن عبد الرحمن، به.
وفي إسناده عبد الرحمن بن فَرُّوخ، وهو لَيِّن، وقد يُقْبَل حديثه في مثل هذه الحالة، ولا سيما أنه مِنْ موالي عمر، وقد ذَكَر الحافظ له مُتابِعًا، فقد قال في «الفتح» (٥/ ٧٦): وأَخْرَج عمر بن شَبَّة في كتاب «مكة»، فذَكَر نحوه، وفي إسناده هشام بن سليمان، وفي «التقريب»: مقبول. فهذه المُتابَعة تُقَوِّي طريق عبد الرحمن بن فَرُّوخ. والله أعلم.

<<  <   >  >>