للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: أنه يَحرم بيع بيوت مكة وإجارتها. وهو مذهب الحنفية في المشهور، وقول للمالكية، والمشهور عند الحنابلة (١).

قد دلت السُّنة على أن مكة فُتحت عَنوة، ومعلوم أن الأرض العَنوة لا تُقسم ولا تُملك لأحد، فلا يَجوز بيعها، ودل عليه ما رُوي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ،» (٢).

الحديث صريح في أنها فُتحت عَنوة «أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ».

واعتُرض عليه بأن مكة فُتحت عَنوة، إلا أن النبي أَقَر أهلها على أملاكهم، وبالتالي جاز لهم بيع دُورها.

واستدلوا بعموم قول النبي : «مَكَّةُ حَرَامٌ، وَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا» (٣).

وأما دليلهم من القياس، فإذا كان مسجد الكعبة يُسمَّى المسجد الحرام، ومكة البلد الحرام، فيَحرم بيع دُورها.

والجواب عن قياسهم: أَنَّ المَسَاجِدَ مُحَرَّمَةٌ مُحَرَّرَةٌ، لَا تُلْحَقُ بِهَا الْمَنَازِلُ الْمَسْكُونَةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهَا؛ وَلِهَذَا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ دُونَ الْمَسَاجِدِ (٤).

القول الثالث: يَجوز بيع بيوت مكة، ويَحرم إجارتها. وهو قول أحمد في رواية (٥).

والراجح: جواز بيع دُور مكة وإجارتها.


(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٦٦)، و «الذخيرة» (٥/ ٤٠٦)، و «الفروع» (٦/ ٢٢٣).
(٢) البخاري (١٣٤٩).
(٣) ضعيف: ويرويه عن ابن عمرو جماعة:
الأول: ابن أبي نَجِيحٍ. وفي السند إليه أبو حنيفة، وهو ضعيف الحديث. أخرجه الدارقطني (٣٠١٥) وقال: كَذَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَرْفُوعًا، وَوَهِمَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ) وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ القَدَّاحُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.
الثاني: عبد الله بن بَابَاهِ، أخرجه الدارقطني (٣٠١٨) وفي السند إليه إسماعيل بن إبراهيم بن مُهَاجِر، ضعيف. وقال البيهقي: فإسماعيل بن إبراهيم هذا وأبوه ضعيفان. «معرفة السُّنن» (٨/ ٢١٤).
الثالث: مرسل، رواه ابن أبي شيبة (١٤٨٩٨) عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، به.
(٤) «المجموع» (٩/ ٢٥١).
(٥) «الإنصاف» (٤/ ٢٨٩)، و «زاد المعاد» (٣/ ٤٣٥).

<<  <   >  >>