للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: فدية الأذى على التخيير أم على الترتيب؟]

فدية الأذى على التخيير، فيُخيَّر بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وبهذا قال الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (١).

وفي «الصحيحين»: عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ» قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ» (٢).

فهذه الرواية صريحة في التخيير بين أنواع الفدية الثلاثة.

ويُشْكِل على الآية والحديث ما ورد في «الصحيحين»: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، وَفِيهِ: قَالَ النَّبِيُّ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : «تَجِدُ شَاةً؟» فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» (٣).

فظاهر هذه الرواية أن مَنْ وَجَد النسك، فلا يَجوز له الإطعام أو الصيام، وأن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك، وهذا يخالف ظاهر الآية، ورواية ابن أبي ليلى عن كعب أن التخيير بين أنواع الفدية الثلاثة.

وأقوى أوجه الجَمْع: أن الأفضل للفدية أن يَذبح نسيكة إن وَجَد سَعة، وإِنْ أَطْعَم أو صام وهو يجد الهَدْي فلا إثم عليه.

وأما الترجيح، فتُرجَّح الرواية المُصرِّحة بالتخيير بين أنواع الفدية الثلاثة؛ وذلك لأمور:

الأول: أن رواية التخيير مُوافِقة للقرآن.

الثاني: أن أكثر الروايات عن كعب بن عُجْرة على التخيير.

الثالث: أن جماهير العلماء على أن الفدية على التخيير (٤).


(١) «تبيين الحقائق» (٢/ ٥٦)، و «الكافي» (١/ ٣٨٩)، و «الحاوي» (٤/ ٢٢٧)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٦٠).
(٢) رواه البخاري (١٨١٤)، ومسلم (١٢٠١).
(٣) رواه البخاري (١٨١٦)، ومسلم (١٢٠١).
(٤) قال ابن عبد البر: وعامة الآثار عن كعب وردت بلفظ التخيير، وهو نص القرآن، وعليه مضى عمل العلماء. «التمهيد» (٢/ ٢٣٨).

<<  <   >  >>