للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زائدًا عن حاجة مساكين الحَرَم (١).

فالحاصل: أن الحاج لا ينيب إلا مَنْ يثق به، أو يَغلب على ظنه صدقه؛ ولذا ففِعل بعض الحُجاج من توكيل بعض الأشخاص الذين يمرون في المخيمات أو في الحرم، ولم يُزكِّهم مَنْ يوثق بقوله- غَيْر مجزئ؛ لأنه لا يُعْلَم أذَبَح هديه أم لا؟ فهو مفرط. أما توكيل بنك الراجحي في ذبح الهَدْي وتوزيعه، فهي جهة موثوق بها، زَكَّاها أهل العلم.

وهنا وقفة، وهي أنه ينبغي تخصيص جهات لبيع هذه السندات وتوزيعها على مستحقيها من الفقراء والمحتاجين، ولا سيما مَنْ أصابهم الضر من الحروب والمجاعات.

المبحث الثالث: حُكْم ذبح الهَدْي وتَرْكه:

اختَلَف العلماء في حُكْم توزيع الهَدْي وإيصال اللحم إلى مستحقيه على قولين:

القول الأول: أن توزيع الهَدْي يجب، فمَن ذَبَح الهَدْي وتَرَكه حتى فسد ولم يوزعه، لم يجزئه. وهذا مذهب الشافعية (٢).

واستدلوا بأن المَقصِد من ذبح الهَدْي هو الأكل منه وإطعام المساكين؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] فمَن لم يوزعه حتى فسد، لم يجزئه.

القول الآخَر: أن توزيع الهَدْي يُستحَب، فمَن ذَبَح الهَدْي وتَرَكه فيجزئه. وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة (٣).

واستدلوا بأنه في أيام النحر قُرِّبَ لِرَسُولِ اللهِ بَدَنَاتٌ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِلَيْهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ، فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا قَالَ: «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» (٤).


(١) «الدماء الواجبة في الحج» (ص: ٥٢٥) وهو بَحْث جيد ونافع، وقد أفدتُ منه كثيرًا، فاللهَ أسأل أن يسعد مؤلفه بجنته، وأن يشمله برحمته، وأن يكرمه بمغفرته، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.
(٢) «كفاية الأخيار» (ص: ٢٣٠)، و «حاشية قليوبي» (٢/ ١٤٦).
(٣) «المبسوط» (٤/ ١٧٥)، و «الذخيرة» (٣/ ٣٦٧).
(٤) ضعيف، مُعَل بالانقطاع: أخرجه أبو داود (١٧٦٥)
علة هذا الحديث، ما قاله أحمد: لم يَسمع ثور من راشد بن سعد شيئًا. «تحفة التحصيل» (ص: ٤٦).
ولا يُلتفَت إلى تصريح ثور بالتحديث من راشد عند ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (٢٤٠٨)، وابن حِبان (٢٨١١) لأن هذه الأدوات يَطرأ عليها الوهم، فالمُعوَّل عليه كلام الإمام أحمد.
قال ابن رجب: وقد ذَكَر أبو حاتم أن بقية بن الوليد كان يَروي عن شيوخه ما لم يسمعه، فيَظن أصحابه أنه سمعه، فيروون عنه تلك الأحاديث، ويُصرِّحون بسماعه لها من شيوخه، ولا يَضبطون ذلك. وحينئذٍ ينبغي التفطن، ولا يُغتَر بمجرد ذكر السماع، فقد ذَكَر ابن المديني أن شُعبة وجدوا له غير شيء يَذكر فيه الإخبار عن شيوخه، ويكون منقطعًا. «شرح علل الترمذي» (٢/ ٥٩٤).

<<  <   >  >>