للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها جبار إلا قَصَمه الله، كما فَعَل بأصحاب الفيل.

ووَصَف الله مكة بأنها البلد الأمين، فقال: ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين: ٣] وامْتَنَّ على أهل مكة بنعمة الأمن، فقال: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: ٣، ٤] وإذا كان ذلك كذلك، فهل يليق بمسلم أن يُخيف الحُجاج، ويَنشر الرعب بين ضيوف الرحمن وفي بلد الله الحرام؟!

قال ابن كَثير في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧]: يَعْنِي: حَرَمُ مَكَّةَ إِذَا دَخَلَهُ الْخَائِفُ يَأْمَنُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ (١).

فإذا كان هذا فِعل أهل الجاهلية بالحَرَم، فكيف يكون فِعل أهل الإسلام؟! وإذا كان الأمن في مكة يَعُم الشجر والحيوان، فكيف بمن يُرَوِّع حُجاج بيت الله الحرام؟!

• المَقصِد الثامن: إظهار الافتقار إلى الله سبحانه:

فالحاج يبتعد عن الترفه والتزين، ويَلبس ثياب الإحرام، مُتجرِّدًا عن الدنيا وزينتها، فيُظْهِر عجزه ومسكنته، ويكون في أثناء المناسك ضارعًا لربه ﷿، مفتقرًا إليه، ذليلًا بين يديه، منقادًا بطواعية لأوامره، مجتنبًا لنواهيه سبحانه، سواء عَلِم حكمتها أم لم يَعلم.

• المَقصِد التاسع: في الحج تذكير بالآخرة، ووقوف العباد بين يدي الله تعالى:

فالمشاعر تَجمع الناس من مختلف الأجناس في زي واحد، مكشوفي الرءوس، يُلَبُّون دعوة الخالق ﷿، وهذا المشهد يُشْبِه وقوفهم بين يديه سبحانه يوم القيامة في صعيد واحد، حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا خائفين وجلين مشفقين! وذلك مما يَبعث في نفس الحاج خوف الله ومراقبته والإخلاص له في العمل.

• المَقصِد العاشر: أن أداء فريضة الحج فيه شُكْر لنعمة المال وسلامة البدن:

ففي الحج شُكْر هاتين النعمتين العظيمتين، حيث يُجْهِد الإنسان نفسه، ويُنْفِق ماله في التقرب إلى الله (٢).


(١) ومِن العَجَب أن أهل الجاهلية كان لهم نصيب من تعظيم البلد الحرام ومراعاة حرمته! فكان أحدهم يَلْقَى قاتل أبيه أو أخيه في البلد الحرام، فلا يَعْرِض له حتى يَخرج من البلد الحرام. وإِذا أصابتهم غارة أو اعتداء، لجئوا إِلى الحرم للاحتماء به. «صحيح الأثر» (ص: ٥٨).
(٢) «الموسوعة الكويتية» (١٧/ ٢٦، ٢٧).

<<  <   >  >>