للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتعب، فيضيع معه مَقصِد الوقوف، وهو الذِّكر والدعاء، وقد رَفَع النبي الحرج والمشقة عن أمته بقوله: «وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ».

[القسم الثاني: شروط تتعلق بالزمان. وفيه ثلاثة مباحث]

[المبحث الأول: وقت يوم عرفة من الشهر]

يُشترَط لصحة الوقوف بعرفة أن يكون في وقت الوقوف، في اليوم التاسع وليلة النحر.

المبحث الثاني: وقت الوقوف في يوم عرفة: وفيه ستة مطالب:

[المطلب الأول: أول وقت الوقوف بعرفة]

أجمعوا على أن مَنْ وقف من بعد الزوال بعرفة إلى غروب الشمس، فقد أصاب السُّنة، واختلفوا متى يبدأ الوقوف بعرفة؟ هل بعد طلوع فجر يوم عرفة، أم بعد الزوال؟

نُقِل الإجماع على أن مَنْ وقف بعرفة بعد طلوع فجر يوم عرفة، وأفاض منها قبل الزوال، أن حجه باطل. وهذا الإجماع منخرم؛ فقد ورد رواية لأحمد بصحة حجه (١).

واستدلوا على أنه يَبدأ الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم التاسع، بأن النبي لم يقف بعرفة إلا بعد الزوال، فكان بيانًا لأول الوقت، كما في حديث جابر الطويل، في صفة حجة النبي : «فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ ، حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ … ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ» وقد قال : «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ».


(١) قال ابن رُشْد: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَفَاضَ مِنْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ- أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِوُقُوفِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ، فَيَقِفْ بَعْدَ الزَّوَالِ، أَوْ يَقِفْ مِنْ لَيْلَتِهِ تِلْكَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ. «بداية المجتهد» (٢/ ١١٣). وقال القرطبي: أَجْمَع أهل العلم على أن مَنْ وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال، ثم أفاض منها قبل الزوال، أنه لا يُعتَدّ بوقوفه ذلك قبل الزوال. في «تفسيره» (٢/ ٤١٥).
وقد نَقَل الإجماع: ابن حزم في «مراتب الإجماع» (ص: ٤٢)، وابن عبد البر في «التمهيد» (١٠/ ٢٢).
وهذا الإجماع منخرم؛ فأشهر الروايات عن أحمد أن أول وقت الوقوف بعرفة بطلوع فجر يوم التاسع من ذي الحِجة؛ ولذا تَعَقَّبَ ابنُ تيمية ابن حزم، فقال: أحد القولين بل أشهرهما في مذهب أحمد: أنه يجزئ. «نقد مراتب الإجماع» (ص: ٢٩١)، و «الذخيرة» (٣/ ٢٥٩).

<<  <   >  >>